لا يجب أن ننخدع قراءً وكتابا بهذا التعريف ( كاتب ساخر) الذي استخدمناها كترجمة عن الانجليزية لكلمة (satirist) المأخوذة بدورها من كلمة(satire) وأقرب معني لها هو الكتابة الضاحكة التي تهجو شيئا، والجيل السابق علينا من كتاب السيناريو من أمثال علي الزرقاني وعبدالحي أديب وبهجت قمر، رحم الله الجميع، كثيرا ما كان يستخدم كلمة "ساتيرا" وصفا لتركيبة درامية مكثفة للغاية تتقاطع خطوطها بحيث تنتج قدرا من الضحك عند المتفرج. المشكلة في كلمة ساخر وسخرية أنها توحي بقدر كبير من العدوان، بينما الكتابة التي تنتج ضحكا هي تلك التي تتخذ موقفا نقديا من الحياة بهدف تنبيه المستهلك القارئ والمتفرج إلي خطأ في حياته يبتعد به عن المثل العليا أو علي الأقل يحيد به عن السلوك الإنساني الصحيح. هي عمل درامي مكتوب، لا تراه علي المسرح بل تقوم أنت بخيالك وبشكل عفوي تماما إلي تحويله إلي عمل درامي، مهموم، مهتم، مبهج وهي صفات الساتيرا المصرية كما أراها، هي عملة نادرة في سوق الكتابة، لا أحد من الكتاب يعرف بالضبط متي تأتيه فكرة ساتيرا جديدة، هي تأتي عندما تأتي، وكأنها تبدأ عملها في اللاوعي لتقفز في لحظة علي سطح عقل الكاتب لتبدأ في مطاردته إلي أن يكتبها. هي تصنع نفسها بنفسها، ولا يمكن استعجال حضورها، وفي اللحظة التي يشعر فيها الكاتب (الساخر) بأن عليه أن يكتب شيئا يضحك به قراءه يقع في فخ الاستظراف أو ثقل الدم، أو يتحول إلي شتام، وبالمناسبة الشتيمة أيضا مصدر من مصادر الضحك، والعدوان المباشر أيضا مصدر للضحك في الهزليات الرديئة، إن مشهد عدد من الممثلين يتسلون بضرب ممثل علي المسرح يفجر ضحكا عاليا عند المتفرجين، ولذلك فالضحك في حد ذاته ليس هو ما يبحث عنه كاتب الساتيرا بل يبحث عن اللحظة التي يكشف فيها عن خطأ في سلوك البشر، هذا الكشف يدفعنا إلي الضحك دفاعا عن أنفسنا، بمعني أننا بالضحك نثبت لأنفسنا أننا أبرياء من هذا الخطأ وأننا أفضل من أن نرتكبه. غير أن كل هذا الشرح ليس كافيا لكي تتعرف علي الساتيرا، وأنا أكتبه لك لكي أجذب انتباهك لما سأقدمه لك من ساتيرات ابتداء من الغد، بعضها كتبته خارج مصر منذ سنوات طويلة ثم أعدت صياغته ليكون مناسبا لهذه الزاوية لأنها في النهاية أعمال فنية قادرة علي البقاء وليست كتابات صحفية تموت عندما تنتهي من قراءتها. هناك من الكتاب من يريد أن يعلمك شيئا ولست منهم، وهناك من يريد دفعك لاتخاذ موقف سياسي أو اجتماعي محدد ولست منهم، وحتي عندما يبدو أنني أعلمك شيئا، فأنا فقط أنقل لك ما استمتعت أنا به من قبل. كما أشعر بالأسف عندما أوصف بأنني كاتب سياسي، أنا كاتب فقط والحياة هي مرجعيتي الأولي، غير أنني أؤكد لك أنني أريد أن أكون ممتعا لك طول الوقت، لأنني أدرك أن ما ليس ممتعا فهو ليس فنا وأنا فنان مسرحي، خمسة وأربعون عاما مرت علي ظهور أول أعمالي المسرحية (ولا العفاريت الزرق) من إخراج جلال الشرقاوي علي مسرح الجمهورية، وفي غياب المسرح أو تغييبه أقوم بتحويل صفحة الجريدة أو المجلة إلي خشبة مسرح وأقوم بتحويلك أنت إلي مخرج ومتفرج ولا أزعم أنني كنت أنجح في ذلك طول الوقت. غير إني - علم الله- أتعامل معك بكل ما أملك من جد واهتمام.