إنّ لنا أن نتعلّم من الديمقراطيات المتحدّثة بالانجليزية، ونشكر كلّ من يقدّم لنا هذه الخدمة !ومن المؤكّد أنّ قناة دريم حين رصدت أموالا كي يسافر العاشرة مساء وعلي رأسه مني الشاذلي ليطلعنا علي الانتخابات البريطانية ويراقبها، لم تكن تمنّي المشاهد المصري بالفرجة علي الشوارع النظيفة والأتوبيسات الجميلة، والاتّساق والنظام والمعالم .. كمايصعب أن نتصوّر أنّ الغاية تتحقّق بالسؤال الذي أثار استغراب الانجليز وربّما رموا من يسألونه بالسذاجة حين انطلقت «مني» تسأل المارّين بالشوارع : هل ستذهب للتصويت غدا؟ وعلي طريقة الانجليز في التعبير (It goes with out saying) أجاب الجميع بما يؤكّد أن ّ الإعلامية الكبيرة تسأل عن أمر بديهي ! غير أنّه إذا لم يكن هذا البديهي قد تحقّق بعد في البلاد التي أتت منها "مني" لتراقب الانتخابات البريطانية، فهو لم يصبح أمرا عاديا في المملكة المتّحدة دون خبرات وتضحيات وخيبة آمال! الواقع أنّه يصعب أن نستفيد من هذا الهراء الإعلامي الذي قصد إلي غمز سلبية المصريين بإيجابية الانجليز، ومايحدث في انتخاباتنا من فساد وتزوير وتدخّل، بنزاهة وشفافية الانتخابات الانجليزية، وراحت «مني» تلحّ علي لفت نظرنا إلي غياب البوليس في العملية الانتخابية، ولاتفسّر لنا سرّغياب الإشراف القضائي الذي يعتبره البعض عندنا الضمان الرئيسي لانتخابات حرّة ونزيهة! والحقيقة نلتقطها في إجابة شاب إنجليزي عن سؤال "مني" الرئيسي هل ستذهب للتصويت غدا؟ أجاب: كيف لاأذهب للتصويت؟ إنّه حقّي الذي حصلنا عليه بالدماء والتضحيات! ومن قرأ في التاريخ الانجليزي يعرف أنّه بعد إعدام الملك تشارلس الأوّل، وبعد ديكتاتورية كرومويل، وتحطّم محاولات جيمس الثاني إدخال الكاثوليكية إلي انجلترا بالقوّة، وبعد أن خابت آمال انجلترا طويلا وكثيرا، وبعد أن أنهكها الصراع الديني والمدني، تعلّمت انجلترا الدرس! وأصبحت مستعدّة لتسمع من لوك وغيره من روّاد التنوير، وتشرّبت بالحاجة إلي حكم القانون و تحوّلت لتؤمن بأهمية الحلّ الديموقراطي، السلطة فيه مكبوحة ومحدودة ويمكن تداولها دون إراقة دماء. ومع ذلك وحتّي انتخابات 2010 لايؤمن الانجليز بأنّ الديمقراطية منحتهم في أي انتخابات، البرلمان المثالي أو الحكومة المثالية! ومن سوء حظّنا أن يذهب ميكروفون العاشرة مساء، ليعلّمنا من الانتخابات الانجليزية في سنة تنتخب فيها بريطانيا أزماتها - سوء الحالة الاقتصادية، والعجز في الميزانية، والمزاج الانتخابي لشعب يدلي بأصواته وفي رأسه فضيحة النفقات المالية لعدد من نواب مجلس العموم الذين افتضح أمر تلقيهم تعويضات مالية عن نفقات شخصية، بما فيها القروض العقارية ذات الأرقام الخيالية والمنازل الفخمة في الريف. وباتت المملكة المتحدة تواجه حالة من عدم الاستقرار السياسي قد تطول، بعدما اسفرت نتيجة الانتخابات التشريعية عن أول برلمان معلق منذ عام 1974، لا يحظي أي حزب فيه بالأغلبية المطلقة. بما دفع العديد من المعلّقين إلي الاعتقاد بأنّه قد يتحتّم اجراء انتخابات جديدة خلال شهور! إذا لم تنجح احتمالات حلّ الأزمة، باتّفاق المحافظين أو العمّال مع الديمقراطيين الأحرار علي تشكيل الحكومة. غير أنّ الدروس التي يمكن أن نتعلّمها ونحن نمرّ بحالة إصلاح سياسي كما يسعي البريطانيون الآن، هي كيف سيتصرّف الانجليز؟ كيف سيتفاهم المجتمع البريطاني مع برلمانه المعلّق والذي جاءت به أصوات الشعب؟ والبعض يثير مثلنا مسألة الدستور. إنّ دوافعهم مختلفة كما هو تقدّمهم في الديمقراطية غير أنّني أعجب بالطريقة التي يتقدّمون بها علي طريق تحقيق هذه الدوافع في هدوء تؤخذ المسائل خطوة خطوة، وكأمر واقعي صنعته الأغلبية لابدّ من التفاهم والتشاور وتتقبّل بريطانيا مالم تكن تقبله من قبل، تقام مناظرات إعلامية تليفزيونية، يتاح فيها للناخبين ولأوّل مرّة التعرّف علي توجّهات رؤساء الأحزاب الرئيسية ويظهر زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي الشاب (نك كليج) يقارع الأحزاب الرئيسية وينتقد هيمنتها علي المسرح السياسي لأكثر من قرن، ويبرز نفسه وحزبه كشيء جديد، يهمّه قبل أي شيء مصلحة الشعب البريطاني.. العجز في الميزانية وقوّة الاسترليني ومشكلة البطالة.