و(الليب) تعبير إنجليزي مختصر يشير إلي (الليبراليين الديمقراطيين).. الحزب البريطاني الثالث، الذي فجر مفاجآت متوالية في الانتخابات الأخيرة.. مرة بصعود نجمه بين الحزبين الكبيرين.. العمال والمحافظين.. وثانية حين لم يحصل علي عدد من المقاعد البرلمانية موازٍ للجلبة التي أحدثها هو وزعيمه الجديد (كليج).. وثالثة حين بدأ المفاوضات مع المحافظين من جانب ومع العمال من جانب آخر لتشكيل حكومة بريطانية ائتلافية.. فالنتائج أسفرت عن برلمان (معلق).. لاتوجد فيه أغلبية كاسحة لحزب علي الآخر. و(اللاب).. أي (لابور).. حزب العمال.. خسر عمليا الانتخابات.. فقد الأغلبية.. ويحاول إقناع الليبراليين الديمقراطيين بأن يشاركوه ائتلاف الحكومة.. وكان أهم شروط (الليب) أن يتنحي جوردون براون زعيم حزب العمال عن رئاسة الحكومة.. فقبل براون مفاجئا الجميع أن يترك زعامة العمال في سبتمبر القادم حين ينعقد مؤتمر الحزب.. وهو ما وصفته مجلة الإيكونوميست بأنه (كاميكاز براون). و(الكاميكاز) هو الانتحار علي الطريقة اليابانية.. وارتبط في ذهن المعاصرين بالعمليات الانتحارية التي كان يقوم بها الطيارون اليابانيون في الحرب العالمية الثانية.. لكن المفهوم يعود إلي تقاليد عصور ماضية في الثقافة اليابانية.. حين كان ينتحر الفارس لسبب نبيل وشريف.. قد يكون اعتذاراً عن خطأ لم يكن يجب أن يرتكبه.. وقد يكون تضحية مذهلة من أجل التقاليد.. وبراون ينتحر سياسياً من أجل أن يبقي حزب العمال في الحكم.. أو للدقة من أجل ألا يصل (كاميرون) إلي رئاسة الحكومة.. و(كاميرون) هو زعيم حزب المحافظين.. البراق الذي لم يحقق الاكتساح المفترض لحزبه. لقد أردت أن أنتظر وقتا أطول قبل أن أحلل مجريات الانتخابات المذهلة في بريطانيا.. فهي عامرة بما يستوجب الانتباه والتوقف.. في بلد أوروبي رئيسي.. ومحوري دوليا.. وكان لنا به ارتباط تاريخي سابق.. ولنخبتنا المصرية علاقات وثيقة به.. ويري الكثيرون منا أن نظامه الديمقراطي ملهم إلي حد ما.. ولكن خطوة براون استوجبت التعليق المباشر الآن.. وعدم التأجيل. إن براون، الذي لايتمتع بجاذبية إعلامية وسياسية، ولايقارن بالطبع من حيث الرونق الذي يمثله (كليج) أو (كاميرون)، ينظر إليه بين السياسيين البريطانيين المتعمقين علي أنه (عبقري).. خبير سياسات مالية مذهل.. أحدث نقلة نوعية في مسار بريطانيا إبان حكم بلير.. حين كان هو وزير مالية خياليا.. وتمكن من أن يعبر ببريطانيا أزمة دولية مالية كبيرة كان يمكن أن تدفعها إلي كوارث لاتقل عن خطورة ما يجري في اليونان.. ويحسب له أنه لايوجد بنك بريطاني أفلس أو أن شركة كبيرة قد انهارت.. وأن العقارات عادت إلي مستويات أسعارها.. ولكنه رغم كل هذا لايحظي بالشعبية التي يستحقها لأسباب قد تكون لها علاقة بالكيمياء بينه وبين الشعب. ويدرك الكثيرون أن هذا البرلمان المعلق لن يستمر طويلاً في بريطانيا.. بعض التوقعات تري أن هناك انتخابات مقبلة بعد عام.. ولكن الحكومة لابد أن تتشكل من بين الخاسرين المتقاربين عملياً.. حتي لو كان (المحافظين) قد تفوق.. لكنه تفوق عاجز لايحقق انفراداً.. وحتي لو كان (العمال) قد خسر.. لكنها خسارة غير كاملة لاتؤدي إلي إبعاده.. ومن ثم تحققت نبوءة كتاب التحليلات البريطانية التي رأت أن النتائج سوف تسفر عن تأثير مذهل للحزب الثالث (الليب).. رغم أنه حصد أقل من 60 مقعداً.. وقد قال معلقون كثيرون منذ ما يزيد علي شهر إن هذا الوضع الناتج عن صعود الليبراليين سوف يؤدي إلي مشكلة بريطانية عويصة.. ها هي تبلورت وتجسدت الآن.. معبرة عن تلاطم مواقف الناخبين. استبعاد براون لنفسه بهذا الانتحار السياسي إجراء لايمكن تغافله، وبخلاف كونه تصرفاً شخصياً وحزبياً معقداً، ومضحياً، فإن الكثير من المعلقين لايرون أنه سوف يؤدي إلي بقاء العمال (اللاب) في الحكم.. ومن ثم تبقي الاحتمالات الثلاثة في تشكيل الحكومة البريطانية قائمة: المحافظين + الليبراليين/ أو: العمال + الليبراليين/ أو: المحافظين + العمال.. والاحتمال الأخير قائم جداً ومطروح بالفعل. ملاحظتان مهمتان لنا خلال هذا الصخب والتفاعل الرهيب في بريطانيا. الأولي: إن الائتلافات لاتعني أن يتم ضم مقاعد هذا الحزب إلي مقاعد ذاك.. ثم يتم تقاسم مقاعد الحكومة نسبيا.. وإنما أن يخوض الساعون إلي الائتلاف مفاوضات معقدة بشأن توجهات وسياسات الحكومة الائتلافية تقتضي التنازل عن رؤي بعينها قد تكون ثابتة في برامج كل حزب. الثانية: إن بريطانيا في حاجة إلي حكومة وحدة وطنية.. تكون قادرة علي اتخاذ قرار يعتبره الرأي العام مسموماً.. ومرفوضاً.. وهو الدخول في منطقة اليورو.. أن يستبدل البريطانيون الاسترليني باليورو.. وهو ما رفضوه من قبل.. لكنهم قد يقبلونه ويتنازلون عن ارتباطهم العاطفي بعملتهم التقليدية.. فقط لابد أن تأتي حكومة ائتلافية قادرة علي تجرع السم الترياق. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]