عندما فاز الأستاذ سيد القمني بجائزة الدولة التقديرية هاجت الدنيا عليه بسبب أرائه التي يقول بها ويكتبها منذ أمد طويل، الكثيرون رفضوا استحقاقه الجائزة وتطاولوا عليه «مثل الكاتب بلال فضل» ولكننا وقفنا معه ندافع عنه وعن حقه في التعبير عما يعتنقه من أفكار وأراء تاريخية ودينية ..كان موقف الإسلاميين من فوز الكاتب سيد القمني بالجائزة موقفا فيه كثير من الحدة والتجاوز وقتها شنت القنوات الفضائية الدينية الإسلامية هجوما كاسحا عليه وأخذ بعض مشايخ هذه الفضائيات علي عاتقهم النيل من سيد القمني ومن شخصه مثلما فعل الشيخ خالد الجندي والشيخ صفوت حجازي.. عكس هذا الموقف إتخذ بعض الكتاب الذين يهتمون بالشأن القبطي موقفا مؤيدا لسيد القمني ومن أحقيته بالجائزة وأنه باحث حر ومفكر قدير يبحر فيما لا يستطيع غيره ان يبحر فيه أيد كثير من الأقباط فوز القمني بالجائزة واعلنوا هذا التأييد في صحفهم واعمدتهم ومواقعهم الإلكترونية.. ومرت الأيام وظهرت في الأسواق رواية «عزازيل» للأستاذ والباحث في التراث الدكتور «يوسف زيدان» ونعلم جميعا موقف الاقباط من هذه الرواية ومن مؤلفها نعلم جميعا أن الأقباط علي إختلاف توجهاتهم وبمن فيهم كبار رجال الكنيسة المصرية رفضوا ما جاء في رواية عزازيل بل وإتهموا المانحين لها جائزة البوكر العربية إتهموهم بإتخاذ موقف مناهض للعقيدة المسيحية وأن ما جاء به يوسف زيدان في الرواية ليس إلا محض إفتراء وهنا تكمن المفارقة ويبلغ التناقض «المصري - المصري» مبلغا كبيرا ويأخذنا الي مرحلة اللافهم. ليست جائزة سيد القمني أو رواية عزازيل هي محل حديثنا ولكن مقام كلامنا هنا يخص في هذه الإزدواجية المقيتة التي يتعامل بها الجميع مع الجميع.. إن ما يقوله الباحث سيد القمني في التراث والعقيدة الإسلامية لا يختلف كثيرا عما كتبه الروائي يوسف زيدان في روايته.. وإذا كان الدكتور يوسف زيدان يطعن في العقيدة المسيحية كما يقول مهاجموه فلماذا إذن رحبوا وأيدوا فوز سيد القمني بجائزة الدولة التقديرية رغم أن كتاباته هي الأخري تتعارض في كثير من الاحيان مع الموروث الإسلامي المعروف بل وإن له من الأراء المعلنة والمكتوبة والتي استحق الجائزة عنها ما يري الكثيرون أنها تتعارض من العقيدة الإسلامية وتطعن في ثوابت الدين من وجهة نظرهم.. لماذا رحبت المواقع الإلكترونية التي تتبني القضايا القبطية بفوز سيد القمني وكرهوا فوز يوسف زيدان بها. إذا كان جوهر الإعتراض علي فوز زيدان بالجائزة تقوله علي العقيدة المسيحية بما لا يليق من وجهة نظرهم فلقد فعلها من قبل القمني وفرحوا بمنحة الجائزة.. المفارقة أن الدكتور يوسف زيدان سرد في روايته المرموقة احداثا تارخية حقيقية ولا يختلف علي حدوثها احد كالذي حدث لفيلسوفه الاسكندرية «هيباتيا» والتي قتلها الغوغاء سحلا بأمر مباشر من البابا كيرلس عمود الدين. إن أكثر ما يثير إستيائي في الشأن المصري العام هو هذه الإزدواجية التي يرتع فيها الجميع في غيبوبة كاملة وليس اصدق علي هذه الإزدواجية هذه الحالة من التشنج التي أصابت المجتمع المصري بسبب ما يقوله الأب زكريا بطرس في قناة الحياة القبطية وطعنه المباشر في الدين الإسلامي وأن الكثيرين من المسلمين والفضائيات الإسلامية علي رأسهم لم يقبلوا هذه الأراء علي الرغم من اننا نعلم جميعا مدي القبول الذي كان يحظي به المفكر الراحل أحمد ديدات وكم كانت كتبه رائجة ومناظراته مع القساوسة مشهورة وكم كان المسلمون يحتفون به وبآرائه في العقيدة المسيحية ألا يعد هذا تناقضا بينا وإزدواجية في المعايير إن المنهج الذي يتبعه الاب زكريا بطرس في الحوار لا يختلف إطلاقا عن منهج الشيخ أحمد ديدات فلماذا إذن يقبل المسلمون المنهج عندما يقول به ديدات ويرفضون نفس المنهج عندما يستخدمه زكريا بطرس. ونعود للسؤال الاول لماذا أيد الاقباط فوز القمني بجائزة الدولة التقديرية ورفضوا فوز زيدان بجائزة البوكر.. ألا يعد كل ما سبق تناقضا مع الذات ومع المنطق السوي. إذا كان المسلمون من حقهم أن يروا فيما يقوله الأب زكريا بطرس جورا علي عقيدتهم فمن حق الاقباط ايضا أن يروا في وجود كتب الشيخ أحمد ديدات في الاسواق وفي معرض القاهرة الدولي للكتاب إهانة لدينهم وإذا كان بعض الكتاب الأقباط يرون أن الباحث سيد القمني يستحق الجائزة فمن حق غيرهم ايضا ان يري أن الدكتور يوسف زيدان يستحق البوكر عن جدارة هذا إذا الجميع يريدون الحياد والموضوعية وأنا شخصيا أعتقد أن لا احد يريد الحياد ولا الموضوعية ذلك لأنهما علي ما يبدو أجل كثيرا وأرقي من إحتمال عقليتنا الشرقية بشقيها المسيحي والإسلامي.