متأخرا جاء اعتذار النائب القصاص بالخطأ الذي ارتكبه، حينما طالب بإطلاق الرصاص علي المتظاهرين أو إعدامهم، مبرراً هذا الخطأ بأنه كان زلة لسان!.. فلقد ظل يكابر رافضا الاعتذار في البداية مؤكدا أنه لم يرتكب أي خطأ ولم يقل بما يدعو لمساءلته أو حتي مؤاخذته علي ما قاله، داعياً الله علي من انتقدوه.. ثم انتقل للإنكار، مؤكدا أنه لم يقل ذلك ومتهما منتقديه بأنهم حرفوا كلامه في اللجنة التشريعية أو فهموه خطأ، وأنهم يتربصون للإيقاع به.. وكلما تحدث معه أحد كان يردد الدعاء الأثير للمظلوم.. «حسبي الله ونعم الوكيل»! فقط بعد أن صار الإنكار لا يجدي ولا يفيد، وبعد أن حان وقت العقاب جاء اعتذار النائب القصاص علي قوله الذي استنكره الجميع.. زملاؤه في البرلمان وفي الحزب وقادة الحزب.. فلماذا كانت المكابرة إذن؟! أغلب الظن أن النائب كان يتصور أنه يمكنه الافلات بما قاله دون محاسبة أو عقاب، وأن هناك من سوف يحميه، وسيغطي خطأه الفادح.. وأسقط في يده حينما لم يجد من يحميه أو يساعده علي الإفلات من الحساب.. بل وجد من يتنصل من خطئه ومنه شخصيا ويستنكر بشدة ما قاله، ويتحمس لمحاسبته لينال العقاب المناسب الذي يستحقه علي ما تلفظ به في حق شباب المتظاهرين.. هنا لم يجد أمامه سبيلا سوي ما ظل يكابر في عدم القيام به وهو الاعتذار وطلب الصفح، رغم أنه لو فعل ذلك مبكرا لكان وقعه أفضل، لأنه كان سيتم بمبادرة منه، لا أن يفعله مكرها وتحت ضغط أو مضطرا مثلما حدث فعلا. والحقيقة أن سلوك النائب القصاص هذا ليست سلوكا منفردا، إنما بات سلوكا متكرراً لنواب ومسئولين هنا وهناك.. يرتكبون أخطاء، وأخطاء فادحة، ولا يتراجعون عن هذه الأخطاء أو يعترفون بأخطائهم إلا متأخراً، بعد أن يتعرضوا للضغط، يفعلون ذلك مكرهين وليس بإرادتهم أو بمبادرة منهم. هناك مسئولون يتخذون قرارات يجانبها الصواب أو لا تلقي قبولا جماهيريا، أو يروجون لسياسات تثير ضيق الناس ويظلون متمسكين بهذه القرارات والسياسات رغم الاعتراضات والانتقادات، دون أي اهتمام ببحث هذه الانتقادات أو النظر في مبررات المعترضين، رافضين بشدة أي مراجعة أو تنقيح لهذه القرارات أو تعديل لهذه السياسات، حتي يتدخل مسئول أكبر منهم، آمرا إياهم بمراجعة قراراتهم أو التخلي عن سياساتهم فيقومون مكرهين بذلك. إنها المكابرة البغيضة التي تجعل المسئول يتمسك بما يتخذه من قرارات وبما ينفذه من سياسات غير مكترث بآراء وملاحظات من ينفذ عليهم هذه القرارات والسياسات، وغير مهتم بالآثار الجانبية لها. إنها المكابرة التي تصور كل من يمارسه أنه هو وحده علي حق وغيرهم المخطئون أو المغرضون، وكأنه وحده هو الذي يمتلك ناصية الحق والحقيقة، أو كأنه وحده هو حامي حمي المصلحة العامة، وغيره هم أصحاب الأهواء الخاصة. هذه المكابرة كما تبين لنا واقعة اعتذار لنائب القصاص تؤكد أنها لا تفيد، ولا تحمي أحداً، أو تضمن استمرار خطأ ما سواء كان هذا الخطأ فعلا أو قولا. بل إن هذه المكابرة تضر كل ما يعاني منها.. فهي تبدد ثقة الناس فيه، وتظهره شخصيا متناقض المواقف والسلوك، ضعيفا وغير أهل لأن يتولي مسئولية. ولو أدرك المكابرون ذلك لتوقفوا عن المكابرة ولاعترفوا بأخطائهم فورا، ولو كلفهم ذلك فقد مواقعهم، يكفيهم ما سينالونه من احترام الجميع.