أولا: الصاغ صلاح سالم في مصيف سرسنك دعونا نبقي مع هيكل، وهو يستطرد قائلا: "وبعدين جاء نوري باشا، قبل ما ييجي نوري، باشا الوصي علي العرش الأمير عبد الإله بعد ما رجع العراق وبعد ما قابل جمال عبدالناصر وتكلموا في الكلام ده كله اللي قلت عليه، طرحوا إنه أمامهم في حضور الأسرة المالكة العراقية يعني بحضور الوصي وبحضور الملك إنه يروح حد من مصر ويتكلموا أمامهم فيما يتعلق بما يريدوه في موضوع الأحلاف وإنه عاوزين.. هم حريصين علي العلاقات فعاوزين يبقي موجود في حضور الملك وولي العهد، ولي العهد هو كان في نفس الوقت الوصي.. الوصي علي العرش الأمير عبد الإله فبالفعل تقرر إرسال صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة، فراح إلي سرسنك مصيف العائلة المالكة وقعد هناك أربعة أيام وأنا كاتب تفاصيل المحادثات في ذلك الوقت وباستفاضة وحاكي جري إيه وحصل إيه ونوري باشا قال إيه وهو طالب إيه وقال أيه لجمال عبدالناصر وصلاح سالم روي وجهة نظر مصرية تماما والأمير عبد الإله والملك موجودين وواضح إن الأسرة المالكة داخلة تعمل بشكل ما دور.. دور سواء في العمل العربي عشان أبقي منصف أو سواء في الحيلولة دون سوء فهم بين مصر والعراق تنحاز به مصر إلي جانب السعوديين أو النظام الجديد في مصر إلي جانب السعوديين ونوري باشا هنا بيهدئ تصوراته.. "(انتهي نص هيكل). تحليل النص: المضمون والتساؤلات 1- المقابلة الوهمية هذا كلام فارغ يا هيكل.. هذا ليس بتاريخ ولا حتي بسرد حقائق.. إنه ليس كلاما منحازا لمصر حتي أقبله، بل كلام ينحاز إلي هيكل نفسه.. لم يكن الباشا نوري يسعي إلي الرّيس عبدالناصر بقدر ما كان الرّيس يسعي للباشا. يقول نوري باشا وهو يسمع كلامه الجميع أن عبدالناصر يريد مقابلته برسالة أوصلها احمد مختار بابان كما ذكر النشاشيبي في المصدر سالف الذكر ، كما أن كل المراقبين والمتابعين لما حدث لم يفصحوا عن جواب لسؤال يقول: لماذا اختار عبدالناصر الصاغ صلاح سالم ليكون وسيطا بين الطرفين. انني بدوري اسأل هيكل عن ذلك، برغم انني مقتنع انه حتي هيكل لا يدري جواب ذلك أبدًا، فهو بالرغم من جعل نفسه شاهدا علي ما حدث، لكنه لم يكن أحد أعضاء القيادة السياسية لمصر، والتي امسك بها الرئيس جمال عبدالناصر بعد اقالته الرئيس اللواء محمد نجيب وعزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية.. كما أننا عرفنا مما سبق ومما لم تتحدث أي وثيقة رسمية عنه ان ادعاء هيكل بمقابلة توهمها، وقد حدثت بين الأمير عبد الاله والرئيس جمال عبدالناصر لا أساس لها من الصحة أبدًا.. كما أوضحنا في الحلقة السابقة. 2- الأسرة العراقية المالكة بعيدا عن رسم السياسات إن قول هيكل بمطالبة مناقشة الموضوع امام الأسرة المالكة العراقية، أي بحضور الملك فيصل الثاني والأمير عبد الاله الذي كان وليا للعهد، ولم يكن في ذلك الوقت وصيا علي العرش يا هيكل، فلقد انتهت وصاية عبد الاله منذ تسّلم الملك فيصل الثاني سلطاته الدستورية عند بلوغه السن القانونية عام 1952، فلماذا تصّر علي تسميته بالوصي عبد الاله؟ إن مثل هذه "المطالبة" لم نجدها في أي مصدر رسمي أو قانوني يا هيكل، فمن أين اخترعت مثل هذه المطالبة؟ ونحن نعلم أن ثقة الأسرة العراقية المالكة بالباشا نوري السعيد كانت كبيرة جدا، ولا يمكنهم ان يشككوا في مصداقيته، فلقد كان وفيا لهذه الأسرة وملتصقا بها ومدافعا عنها منذ بدء شبابه، وحتي اللحظة الأخيرة من حياته ! إنهم لم يطلبوا أن يروح أحد من مصر ليتكلموا أمامه فيما يخص موضوع الحلف لا الأحلاف كما ذكرت.. إنهم لم يستجدوا موافقة عبدالناصر، بل كان عبدالناصر نفسه متلهفا لمعرفة ما يدور في كواليس السياسة العراقية، علما بأن قادة العراق كانوا حريصين فعلا علي علاقات العراق القوية مع مصر، وهذا ما شهدناه علي امتداد حياة النظامين الملكيين في كل من العراق ومصر.. ولكن تبدّل النظام السياسي بمصر، جعل ثقة قادة العراق مهزوزة إزاء متغيرات مصر، وخصوصًا مع بدء عهد عبدالناصر.. 3- مصيف سرسنك إنهم لم يخططوا أبدًا لمؤتمر ينعقد في سرسنك، البلدة الكردستانية الجميلة في شمال العراق والتي يقطنها كل من الاكراد والاثوريين العراقيين معا، كانت مصيفا للعائلة المالكة العراقية، والبلدة تحتضنها الجبال الخضراء، وتطل علي وديان تكسوها أشجار البلوط والسرو والاسبندار، وهي من أروع مصايف العالم بغزارة مياهها العذبة وطيب مناخها وجمالها الساحر.. وكنت قد دخلت إبان طفولتي قصر الملك فيصل الثاني بسرسنك، وهو قصر بسيط لونه أبيض وتكسوه أسطح القرميد البني، وتدور حدائق جميلة من حوله، وفي وسطه حوض سباحة يتميز بمياهه الزرقاء الصافية، ويطل علي طرفه الشرقي والشمالي وديان سرسنك الجميلة.. نعم، لقد حدث وان وصل الصاغ صلاح سالم وبمعيته صحفي شهير هو ناصر النشاشيبي، فكان الباشا نوري السعيد يرافق كلاً من سيده الملك فيصل الثاني وخاله ولي العهد عبد الإله في سرسنك، فاضطر إلي ان يذهب الصاغ صلاح إلي حيث يقابل الباشا نحو سرسنك من دون أي مطالبة بذلك من قبل الأسرة المالكة، فالسياسة العراقية كلها بيد الباشا يحركها كيفما يشاء.. اما قولك يا هيكل إن عبدالاله هو: "ولي العهد هو كان في نفس الوقت الوصي.. الوصي علي العرش الأمير عبدالإله.."، فهذا خطأ لا يمكن تمريره، كما ذكرت سابقا، فالوصاية قد انتهت مع تسّلم فيصل الثاني مسئولياته الدستورية عام 1952، وكان عليك ان تستشير المصادر التاريخية قبل القاء الكلام جزافا.. كان ذلك صيف 1955، ولم يكن يدر بخلد الصاغ صلاح ان يكون في حضرة العائلة العراقية المالكة يقيم معهم في القصر نفسه، وقد اكتشف بساطة عيشهم، وسمو أخلاقهم، وعلو مكانتهم. 4- الصاغ صلاح سالم في سرسنك ورأيه في الميثاق نعم قعد الصاغ صلاح سالم أربعة أيام في سرسنك، وبضيافة الملك فيصل الثاني واستمع طويلا للباشا نوري السعيد، بعد أن استقبل استقبالا كريما من قبل الملك وخاله الأمير، ولقد تداول المرافقون العراقيون كلاما عن الصاغ انه لم يكن يعرف اصول الاتيكيت في تصرفاته وكان الباشا قد انتهره اكثر من مرة ! اما قولك يا هيكل إن الأسرة المالكة داخلة تعمل بشكل ما دور.. فهذا من اختراعك الشخصي، فأنت لم تكن موجودا، وإذا كنت تريد ان تنصف دور العائلة المالكة العراقية كما ذكرت انها تحول دون سوء فهم بين مصر والعراق كي لا تنحاز مصر إلي جانب السعوديين.. فإنك تظلم ذلك الدور، فالعلاقات بقيت حميمة بين النظامين السياسيين العراقي والسعودي بالرغم من موقف السعودية من ميثاق بغداد الذي اعتبرته يخص العراق أولا واخيرا، ولا يمكن لها ان تتقبله.. ولقد اوضحت كل الايام التي اعقبت عام 1955 وعلي امتداد نصف قرن، ان العراق بالرغم من كونه عمقا عربيا، لا يمكن للعرب الاستغناء عنه أبدًا، ولكنه يبقي محورا مركزيا لكل منطقة الشرق الأوسط، وان العراق تحيط به دول لا يستهان بها أبدًا، وليس كغيره من البلدان العربية، فهو شبه مغلق، وليس له إلا فتحة واحدة لا تتناسب مع حجمه الواسع والمثقل علي الخليج العربي فقط.. 5- ماذا قال الباشا للصاغ علي قمة الجبل؟ ولعل ابلغ حديث جري بين الباشا نوري السعيد والصاغ صلاح سالم يقول، كما روي علي لسان اكثر من شاهد ان الصاغ لم يعرف أي بروتوكول في تصرفاته في مصيف سرسنك وربما كان قلقا جدا.. ولكنه قد خرج من سرسنك بقناعة تقول إن ميثاق بغداد افضل بكثير من أي ميثاق ضمان جماعي عربي كما كتب ذلك النشاشيبي وكان مرافقا للصاغ وكما سمع منه شخصيا وهما علي متن الطائرة ! فما الذي حدث في صباح اليوم الثاني، إذ لم يحدث في اليوم الأول من وصوله سرسنك عصرا، الا مقابلة كل من الملك والأمير والباشا في حديقة القصر، إذ كانوا يشربون الشاي وكانت المقابلة مجرد مجاملات شكلية.. في اليوم الثاني، ومنذ الصباح الباكر، خرج الباشا نشيطا وبيده باسطونة (عكازه) وقد اخذ بمعيته الصاغ، وخرجا معا إلي شوارع سرسنك الجبلية الجميلة.. مشيا طويلا، واخذا يصعدان الجبل، وكان الباشا مسرع الخطوات، ولم يتهيب من الصعود ولم يتعب وهو أكبر من الصاغ بقرابة الثلاثين سنة، في حين شعر الصاغ بالتعب حتي وصلا القمة.. التفت الباشا نوري قائلا للصاغ: اتعبت من جبال العراق؟ انظر معي شمالا، تلك هي حدود تركيا الممتدة طويلا بسلاسل جبال طوروس الوعرة.. والتفت شرقا، وانظر تلك هي إيران وجبال زاكروس تفصلها عنّا لاكثر من الف كم.. واتمني أن تعرف ثقل كل من تركيا وإيران وهما يحادان العراق، وانظر بعيدا في الأفق نحو الشمال الشرقي، فهناك حدود الاتحاد السوفيتي واطماعه في المياه الدافئة منذ 250 سنة.. وانظر إلي هؤلاء الذين يقفون من اجل حمايتنا والذين جزعت من منظرهم، بألبستهم الملونة وسراويلهم الفضفاضة، وبشواربهم الكثة واسلحتهم بأحزمتهم.. انهم الاكراد من ابنائنا العراقيين.. إذا لم يجد العراق فرصته في الانسجام مع هاتين الدولتين، فسوف يغرق بمشاكل لا اول لها ولا آخر.. ارجع يا صاغ صلاح للبكباشي جمال، ودعه يفهم ما اقول، علما بأن العراق لم يخرق مواثيقه العربية ولم يتخل أبدًا عن مسئولياته إزاء فلسطين.." ! 6- لماذا رحل الصاغ صلاح سالم مبكّرا؟ هنا، يبدو أن الصاغ صلاح سالم قد اقتنع تماما بتصورات الباشا، ولكنه لم يستطع الدفاع عن وجهة نظر عبدالناصر! إن وفاة صلاح سالم المبكرة تثير الشكوك، ويبدو انه الوحيد من بين أعضاء القيادة العسكرية المصرية الجديدة وهو يتمتع بجرأة نادرة وعناد لا مثيل له، وتصرفات تبدو غير مقبولة من قبل الناس ! ويقال إنه الوحيد الذي كان يخشاه عبدالناصر، وقد اصطدم به عدة مرات. كان لا ينزع النظارة السوداء عن عينيه أبدًا، إذ يبقيها حتي في ساعات الليل، وأن كل الذين رافقوا الرجل أبدوا في ملاحظاتهم أنه كان مقتنعا أشد الاقتناع بالسياسة العراقية، وانه قد وجد ان لكل بلد عربي طريقته في حفظ مصالحه، كما اقتنع ايضا بأن العرب لا يمكن التعويل عليهم أبدًا في مواجهة الصراع الدولي الساخن الذي كان قائما وقت ذاك. ويبقي السؤال حائرا: لماذا رحل الصاغ صلاح سالم مبكرا؟ إذا كان قد كلّف بملف السودان، إذ كان من مواليد السودان، فلماذا كلّف من قبل عبدالناصر بملف العراق؟ وما علاقته بالعراق؟ لماذا كان عبدالناصر يصّر علي ان يبعد صلاح سالم عن دواخل مصر؟ ما الذي كان يشعر به الصاغ صلاح سالم بعد انتصار حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 ويبدو لي ان الرئيس جمال عبدالناصر قد استوعب بعد سنوات طوال من حكمه وتجربته مع العراقيين بصحة وجهة نظر نوري السعيد! ولكن بعد فوات الأوان! أو ربما لم يستوعب درس العراق أبدًا حتي رحيله عام 1970. ومن اللافت للنظر ان الرئيس عبدالناصر لم يكن يقبل أبدًا أي نظام عربي يتدخل في شئون سياسته وسياسة مصر، ولكنه منح لنفسه الحق في أن يتدخل في شئون الآخرين، وخصوصا الدول العربية كاملة. نوري السعيد في مصر يتابع هيكل حديثه، فيقول: " فنوري باشا بيقرر التحرك وبعدين بيدعي إلي مؤتمر إلي رؤساء الحكومات العربية في مصر، جمال عبدالناصر بيوجه الدعوة إلي مؤتمر رؤساء الحكومات، أنا في هذه الفترة أنا.. نوري باشا جاء.. كان جاء وحصل مناقشات أنا باعتقد.. أنا حضرتها وكتبت بعضها أنا شفت نوري باشا لوحده ولوحدنا معنا نجيب الراوي سفير العراق في مصر وقعد حكي لي وجهة نظره وحضرت جزء ثاني من مقابلته مع جمال عبدالناصر لأنه كان فيه الراوي باشا عمل دعوة غداء لجمال عبدالناصر ونوري باشا يقعدوا لوحدهم وبعدين بعد الغداء كان مفتوحة أكثر شوية وروحت أنا وأظن، مش أظن متأكد إنه كان فيه السيد علي صبري وأظن هنا فيه موضوع الظن الوحيد أظن إنه عبد الحكيم عامر كان موجودا هناك أيضا وأنا حاكي.. " ( نص هيكل ). هل أنت متأكد يا هيكل أنك قد قابلت نوري السعيد لوحدك؟ أم لوحدنا بمعية السفير العراقي نجيب الراوي؟ ومن قعد منهما ليحكي وجهة نظره إليك؟ وماذا حكي إليك؟ لماذا تشبك الأمور بعضها بالبعض الآخر يا هيكل؟ انني اشكك في كلامك حول مقابلتك نوري السعيد، لأن الرجل ليس من النوع الذي تعجبه الثرثرة أو يغوي مقابلة الصحفيين والإعلاميين ! وإذا كان قد حكي إليك، فما الذي أسره إليك؟ ويبدو أنك كنت قد سمعت بدعوة غداء السفير الراوي لكل من الزعيمين من دون حضورك إياها، وإلا لماذا لم تصف لنا كل ما جري في ذاك الحفل؟ عصر الترتيبات الثنائية انتهي ويتابع هيكل قائلا: "وحتي حاكي مشاهد غريبة قوي لأنه بدأت وجهتي النظر تتصادمان، جمال عبدالناصر بيقول لنوري باشا إيه؟ جمال عبدالناصر فيه هنا في هذه اللحظة عنده رؤية استراتيجية واضحة لما يتصوره لمستقبل المنطقة، بيقول إيه؟ بيقول.. قبلها نوري باشا بيحكي وجهة نظره عشان أبقي آخذ المسألة بسياقها الطبيعي، نوري باشا بيقول إنه عصر الترتيبات الثنائية انتهي ونحن الآن في عصر حاجة ثانية خالص، فيه صراع عالمي ونحن لا نستطيع أن ننأي بأنفسنا عنه، إحنا موجودين فيه، ثم إنه هذا الصراع العالمي بين شيوعية نحن لا نحبها وبين رأسمالية ممكن قوي نرتب علاقتنا معها، بين دول مالناش دعوة بها وهي الاتحاد السوفيتي ودول ثانية إحنا عندنا علاقات تاريخية معها ومكاننا معها ومستقبلنا معها.. "(نص هيكل). ان وجهتي النظر يا هيكل قد تصادمتا منذ زمن طويل بين الزعيمين الاثنين.. ومنذ وصول عبدالناصر إلي السلطة.. وإذا كان عبدالناصر له رؤية استراتيجية واضحة في تلك اللحظة لما يتصوره لمستقبل المنطقة، فإنني أعتقد ان نوري السعيد كان له مشروعه الموسع الذي لا يقتصر علي ترتيبات ثنائية، بل يشمل كل المنطقة لشدّ وثاقها بعضها بالآخر من أجل الوقوف إزاء الصراع العالمي أولا والمخاطر التي تتعّرض لها المنطقة ثانيا.. إن رؤية عبدالناصر يا هيكل غير واقعية، بل يتوهم أن منطقتنا لها دول قوية وأنظمة قوية والعكس صحيح. ان دولنا هشة وأنظمتنا ضعيفة ومجتمعاتنا متأخرة ولا تقوي علي البقاء في اطار الصراع العالمي الذي كان يعم العالم كله.. وإذا كان عبدالناصر قد بثّ أفكاره وشعاراته التي يسميها هيكل ب"الرؤية الاستراتيجية" ونجح في استقطاب الرأي العام العربي، فإن نوري السعيد قد بني استراتيجيته علي واقع سياسي انقسامي من دون أي إعلام أو ماكينة إعلامية تبث «ليل نهار» ولا أي خطابات ولا أي انفاقات.. ان جمال عبدالناصر كان يؤمن إيمانا راسخا أن الشعب يعتقد أنه مستقل الإرادة وأنه يتخّيل أنه يعمل باستقلالية سياسية كاملة، وقد آمنت الناس بهذه التصورات .. ولكن نوري السعيد كان يؤمن إيمانا راسخا بأن الشعب يعتقد انه غير مستقل الإرادة وانه لا يعمل باستقلالية سياسية كاملة، وكان لا ينفي علاقاته الراسخة بالغرب، وخصوصا بريطانيا.. علما بأنه لا يمكن لا لمصر ولا للعراق ولا لأي دولة من دول المنطقة عموما ان تعيش وتحيا أمنيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا.. من دون أن تتوكأ علي واحد من المعسكرين: الشرق أم الغرب؟ ولا يمكن لأي نظام من التي كانوا يسمونها بدول العالم الثالث أن يحيا من دون أن يرتبط، وبقوة بواحد من المعسكرين المتصارعين الاثنين. ولقد ثبت بالدليل القاطع أن ما يسمي ب"الحياة الايجابي "عدم الانحياز" مجرد أكذوبة تاريخية، اكتشف المعاصرون اليوم كم كانت قد خدعت الملايين من الناس. انتظروا الحلقة المقبلة الكاتب.. مفكر عربي عراقي مقيم في كندا وأستاذ في جامعات عربية وأمريكية