حين طلبت مني الإدارة العامة للإعلام والعلاقات بوزارة الداخلية، حضور لقاء مع ضباط وجنود الشرطة في محافظة بني سويف، حول حقوق الإنسان، رأيت أنني لن أضيف جديدا خاصة أن طلبة الشرطة يدرسون مقرر حقوق الإنسان في أكاديميتهم، وفي ضوء ما ذكرته أمس عن إجراءات عديدة منذ عشر سنوات لنشر ثقافة حقوق الإنسان بين العاملين في الشرطة من ضباط وجنود. ورأيت أنه من الأفضل أن يدور الحوار حول العلاقة بين الأمن والإعلام لسببين، الأول: أن تلك العلاقة لا تزال يكتنفها الشكوك من الجانبين، والثاني: أن أجهزة الشرطة العربية طورت منذ سنوات ما يعرف بالإعلام الأمني وعقدت لقاءات بين قادة أجهزة الإعلام الأمني، وممثلي وسائل الإعلام العربية. مما يعني أن هناك محاولات للتقارب وتفهم كل طرف لما يقوم به الآخر، ووجود قناعة بأن التعاون لا الشكوك هو الأساس لمثل هذه العلاقة. في بني سويف ومع ضباطها وجنودها وفي حضور القيادات الشرطية المحلية كان لا بد من تبديد الكثير من الظنون في علاقة الأمن بالإعلام، فالأمن مهما بلغت كفاءته وقدرته لا يستطيع بمفرده القضاء علي ظواهر إجرامية مثل المخدرات والإرهاب، وحتي تنجح الخطط الأمنية لا بد من إعلام مسئول ينشر المعرفة وينور الناس، ويحذرهم من مخاطر الأفكار المتطرفة، ومن مخاطر الإدمان أيضا. وحتي نصل إلي هذا التنسيق الإيجابي بين الأمن والإعلام، لا بد من إعلاء قيمة مهمة في حقوق الإنسان المعاصر، وهي الحق في المعرفة والحصول علي المعلومة، صحيح أن لدي وزارة الداخلية إدارة عامة للإعلام يترأسها اللواء حمدي عبد الكريم، وهناك إدارات وضباط مختصون في مديريات الأمن للتعامل مع أجهزة الإعلام، لكننا لا نزال نفتقد القدرة علي الحصول السريع علي المعلومة الأمنية الدقيقة، في عالم اتسعت مساحته الإعلامية بشكل غير مسبوق. علي سبيل المثال في حادث مقتل هبة ونادين، نشرت 44 صحيفة ومجلة أخبارا غير دقيقة عن الجريمة ومسار التحقيقات، كانت أقرب إلي الشائعات غير الصحيحة، وهو ما يستدعي وجود متحدث صحفي باسم الداخلية يعقد مؤتمرا صحفيا يوميا في مثل هذه الجرائم التي تهم الرأي العام، لمنع الاجتهاد، ولوضع حد للشائعات، أو لتسريبات قد تكون من المحامين لخلق رأي عام يؤثر علي مسار القضية. وإذا كان لدينا نحن أهل الصحافة والإعلام ملاحظات أو تحفظات في العلاقة مع الأمن، فإن رجال الشرطة لديهم أيضا ملاحظاتهم التي يجب أخذها في الحسبان والاعتبار، فالإعلام كثيرا ما يهتم بالسلبيات، ولا يبرز الإيجابيات، وأحيانا السرعة في نشر وتداول المعلومات قد تضر بدقة التحقيقات الجارية، والأهم أننا أهل الإعلام لا نهتم بالجانب المشرق الذي يقدمه رجال الشرطة الذين يسهرون علي أمن الوطن والمواطن بينما نحن نيام في منازلنا. لا أدعي أن لقاء واحدًا يمكن أن يبدد الشكوك والظنون المتبادلة، لكن حالة الحوار الدائمة بين الأمن والإعلام تفتح الطريق لفهم متبادل لطبيعة المهنة الأخري، ومن ثم الوصول إلي قواسم وقواعد بالتأكيد ستؤدي في النهاية إلي الخروج من نفق الظنون، وإلي حق الناس في المعرفة والحصول علي المعلومات الأمنية بشكل سريع وكافٍ.