ظل البطل فارسًا خيّالا - لا يهزمه أحد - يتحلي بالأخلاق والفضائل والمبادئ إنه نموذج محترم نحبه، نحترمه ونقلده، ثم انتهي زمن الأحصنة وركوب الخيل - وركب الفارس الشجاع السيارات لكنه ظل فارسا يحمل نفس الأخلاق السامية، ويواجه فساد اللصوص والمهربين والقتلة، وانتقلت (فتوته) من عضلاته لمخه، فأصبح أكثر ذكاء وخبرة، قادرا بخفة ورشاقة علي أن (يقبض علي الشر والشريرين) وينتصر الخير دائمًا، وتسود قاعدة (الجريمة لا تفيد) إلا في أعمال (التجسس)، وينتهي العمل الفني بالسعادة والاطمئنان لذوي القلوب الطيبة من المشاهدين، فهم عادة أبرياء خيرون وليسوا لصوصا وليسوا من رجال الشرطة. وأمام (السَرعة والشهوة) التي أصابت الإنتاج الفني العربي لكي يكون لدينا أكبر عدد من ساعات الأشغال والانشغال التليفزيوني - لم يجد المبدعون العرب في كثير من الأحوال إلا صيغة العسكر والحرامية لبناء هذه الساعات الطويلة المملة من الإنتاج. وكما كان الإنتاج في الماضي يقوم علي الصراع بين المؤمنين الطيبين الضعفاء وبين المشركين الأقوياء - ويظل الإيمان ضعيفًا والكفر طاغيا - ويظل الإيمان مستكينا والشر ظريفا مرحا. إلي أن يأتي زمان الإيمان ويموت الشر وتعلو كلمة الإيمان. ولما كانت المحطات الإنتاجية قد امتلأت بتكرار هذه الفكرة حتي فقدت أهميتها وانعدمت مصداقيتها - فلقد راحت الأدمغة الذكية الباحثة عن (النقدية) لرص حكايات من جديد عن (الحرامية والشرطة)، حتي لم يعد من الممكن إطلاقا أن يخرج مسلسل أو فيلم عن هذه المنظومة.. لابد من وجود هناء أسري أو سعادة في الحب، ثم يأتي دور العذول الشرير أو فتاة وفتي عاشقان لكن للأسف الولد (إيده مش طايلة) ومعندوش شقة - ثم يظهر الرجل العجوز الغني - الذي يدمر الحب ويخطف البنت - أو ذلك المحامي الشريف الذي يواجه المرأة الشريرة الغنية التي تلعب (بالبيضة والحجر)، لكي ينحرف. أصبح مجال كل من الشر، العملة، المخدرات، المهربات، المباني الفاسدة، سرقات البنوك، الإجرام بكل صوره أصبح الشرفاء، مهندسين ومهندسات أطباء وطبيبات، محامين ومحاميات، فكل هؤلاء لهم نقابات تدافع عنهم، وأصبح الشر يسكن مكاتب رجال الأعمال وأصحاب القصور والفيلل، يقترن دوماً الخير بالضعف والفقر وقلة الحيلة، وهو دوما صريع للشر الكاسح، نفس اللعبة القديمة (صراع الإيمان والشرك) يعود لنا في صراع شرفاء وعديمي الشرف ونفس المفهوم القديم أن الدنيا هكذا أبيض وأسود، هذا التبسيط الكسول للفن سوف يُحكم الطوق القاتل حول رقبة الفن بعد قليل - فسوف يدرك الناس نهاية العمل عند بدايته، فلقد تكررت الفكرة، ولقد ألحوا عليها كثيرًا جدًا، حتي ارتبط الشرفاء من البشر بعدد معين من ممثلي أدوار الشرف اليائس، وارتبط الغني والقوة والشر بعدد آخر أصبحوا ممثلين لهذا اللون فقط، عاد الفن يقسم الناس إلي حرامية وعسكر، ونحن نشاهد هذا ونصفق لذكاء الحرامية ولخيبة العسكر، أصبح الاستسهال والاستهبال لا يترك مجالا للكاتب لكي يعيد النظر ولو قليلاً جدا في أهمية الخروج من هذا المأزق، وقليلون للغاية هم الذين أفلحوا في تقديم أعمال لا تدور حول العسكر والحرامية أو حول الأغنياء اللصوص والفقراء الشرفاء. أخشي أن يعشق البسطاء الشر ويحبوه أكثر من هذا الخير الكسيح اليائس.. للأسف.