نحن أمام أحداث وقعت بالفعل في ميدان التحرير قلب القاهرة يوم 2010/4/6 ولا مفرّ من تمحيصها وإنّه لمن الغفلة ألاّنعطي أهميّة لازدياد حركة الشارع المصري في تشكيل السياسة، وأنّ هذا التصاعد هو أمر جمّ الصعوبة في بلد أوشكت جماهيره أن تكون كاملة الاغتراب ولسنين طويلة عن دور حقيقي في تقرير شؤونها. الشهور المقبلة وحتّي انتخابات مجلس الشعب ثمّ انتخابات رئاسة الجمهوريّة، هي أيّام خطيرة تتّسم بالحاجة إلي العمل المسئول حين يفكّر البعض في النزول وسط الشوارع والميادين، بين الناّس.. وعلينا أن نحذر بعثرة جهودنا، ناهيك عن احتمالات الفوضي أو الإخلال بالأمن أو وقوع تصادمات قد ينتج عنها مالاتحمد عقباه! مجريات الأحداث أنّ الحركة المسمّاة 6 أبريل وتدشينا لتاريخ قيامها إبّان أحداث المحلّة الكبري، درجت في كل ّعام علي تنبيهنا بوجودها علي قيد الحياة وكلّ مرّة تخترع دعوة احتجاجيّة! وفي هذا العام قرّرت عن طريق موقعها تنظيم مسيرة يوم 6 أبريل تبدأ من ميدان التحرير، وتتجه إلي مجلس الشعب ترفع 3 مطالب أساسيّة هي : إلغاء حالة الطواريء، وتعديل المواد 76، 77، 88 من الدستور. تحاول الحركة أن تستأثر بمطالب للتغيير هي محلّ نظر المجتمع بأسره ، وتتخّذ قرارا منفردا بالتحرّك كما تراءي لها وحدها المهمّ أنّها حاولت أن تتحرّك في إطار الشرعيّة، فقدّمت طلبا للأمن للموافقة علي المسيرة أو الإعلام بها فرفض طلبه وقال إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة " ان في إطار الأحداث الأمنية الراهنة قد تؤدي هذه المسيرات والوقفات الاحتجاجية إلي تكدير صفو الأمن العام بالعاصمة، لذلك، ينذر الطالب: السادة المنذر إليهم بعدم الموافقة علي قيامهم بتنظيم المسيرة المشار إليها لدواعي الأمن والنظام مع تحملهم المسئولٍٍٍٍٍٍيّةٍٍ عن اي إجراءات تخالف ذلك" أي أنّ طالبي المسيرة حددوا منذ البداية قواعد اللعبة، وكان عليهم أن يتحرّوا بعناية شديدة خرق هذه القواعد من طرف واحد! سوف ننسي في غمار الأحداث المطالب التي كانت هدفا للمسيرة، لينصرف اهتمامنا إلي ماحدث بين المتظاهرين وقوّات الأمن، ننتقل إلي الانشغال بالظروف الإنسانيّة من أجل الذين تألّموا لكي تعلن 6 إبريل عن استمرار تواجدها، هذه هي بعثرة الجهود، البروباجندا الخاطئة لنشطاء سياسيين يلحقون الأذي بنا، بينما يعتقدون أنّهم مارسوا دورهم بشجاعة وجرأة لايحسدون عليها وسط بضع عشرات من المتظاهرين! ولابدّ للمرء بالطبع أن يتساءل عن كفاءة هذا العمل، بكلّ تأكيد ليست 6 أبريل هم أشجع الشجعان، إنّ هؤلاء تقودهم المشاعر والأمرلايزيد عن كونه تكرارا لتجارب عفي عليها الزمن، شبعنا من ممارساتها ونحن صبية سياسة! ومع ذلك فقد كنّا نفكّر كثيرا قبل أن تضيع جهودنا فيما يشبه الطيش! ولم نكن نملك هذه الوسائل الحديثة: الانترنتّ والمواقع، وحريّة الصحافة! وكان الثمن باهظا إزاء عدم السيطرة علي المشاعر والهياج بالشعارات غير المسئولة! اليوم كما نشاهد تظهر حركات هي نتاج ضيق الصدر بالفساد، ليس لديهم خبرة بمصاعب التحوّل السلمي نحو الديموقراطيّة، يضعون أنفسهم فوق الأحزاب وهيئات المجتمع المدني. يتصوّرون أنّهم قادرون علي تدمير أيّ شيء لايعجبنا بضربة واحدة! ولايريدون أن يتمعنوا في أنّ هذه الرؤية فشلت في تحقيق غرضها، بل قد تصيب بما يشبه العقم السياسي. نستسهل أسماء الحركات وكلّ يوم نبحث عن منقذ، فلا تتعزز سوي الملامح السلبية بافتقار قوي المعارضة لرؤي وتقويمات صائبة، كفيلة بتوفير المناخ لخطوات إيجابيّة إنّ أحدا لايستطيع أن ينكر الأجواء المواتية لتوسيع نطاق الديموقراطيّة، وتجري في داخل مصر الآن عمليّة فريدة من نوعها. لقد رحّب الرئيس مبارك بالبرادعي وحقّه في ممارسة دور سياسي، ويسمح لنشطاء ترشيح البرادعي بحملات جمع التوقيعات التي لم تصل حتّي الآن إلي العشرين ألفا! لماذا لاتثقون في أنّكم تمرّون بتجربة سياسية حقيقية؟ والواجب أن نواجه المتطلّبات المتضاربة في الواقع (فساد سياسيّ او اقتصادي أو أخلاقي) بكلّ مانقدر عليه من تمكين الرأي العامّ من التخلّص من كلّ وصاية فرضت أو تفرض عليه. علينا أن نوفّر الهدوء المناسب، نصون تحرّكنا السلمي ولانبدّده،بل نبني عليه، ونطوّره، البعض يقلّل من شأن هذا الواقع ويشكّك فيه ويعتبره فعل شياطين تنبّهوا لأن يتركوا لنا الحرّية في أن نقول مانشاء، بينما يفعلون هم مايريدون. حتّي لو كان الأمر كذلك، فنحن أحرار، ولكنّنا لا نعرف كيف نتصرّف في حرّيتنا،يتحوّل البعض إلي استجابةذهنيّة اوتوماتيكيّة لمؤثّرات الواقع وإشاراته وتنبيهاته..