التأمل في مواقع الإنترنت الناجحة والتكنولوجيات التي انتصرت بشكل باهر يعطيك نتيجة أساسية: التكنولوجيا مثل البشر، عندما تنعم بالديمقراطية والانفتاح تحقق النجاح والتميز. لو أخذت مثلا موقع يوتيوب أو فيسبوك (وغيرهما كثير) ستجد أن الموقع يعتمد علي إعطاء الجمهور فرصا متساوية للمشاركة في الموقع والاستفادة من خدماته بغض النظر عن المحتوي والأفكار المطروحة وجودة المشاركة، مع إيجاد وسائل تسمح "للفكرة الجيدة أن تنتصر علي الفكرة الرديئة" (تماما كما يحلم أنصار حرية الرأي في أطرهم الفلسفية). هذا العطاء يضمن دائما حسب تلك التجارب للإبداع أن ينطلق، وبالتالي للنجاح أن يتحقق. هذا الرأي ليس جديدا من عندي، بل هو في الحقيقة جوهر عشرات الكتب والمقالات التي قدمها ما يسمي بالأرضية المفتوحة «Open Platform » وهؤلاء كان لهم تأثير عميق في الكثير من التطبيقات التكنولوجية، ولعل أهم من يطبق هذه المبادئ هي شركة جوجل، بالإضافة للشركات التي رعت البرمجة مفتوحة المصدر «Open Source Programming » حيث يوجد الكود البرمجي مجانا علي الإنترنت لمن يريد الاستفادة منه. شركة أبل من جهة أخري عرفت بأنها كانت دائما ضد هذه الفكرة، حيث ما زال الكود البرمجي لكمبيوترات أبل مغلقا وغير متاح للمبرمجين إلا بإشراف كامل من أبل، وهذا كان السبب حسب رأي مؤرخي التكنولوجيا في انتصار ميكروسوفت علي أبل رغم تفوق أبل برمجيا وسبقها زمنيا، وذلك لأن ميكروسوفت أتاحت الكود الخاص بويندوز للمبرمجين مما سرع انتشار برمجياتها وتطورها. لكن أبل في فكرتها الخلاقة المتمثلة في مركز بيع تطبيقات آيفون (App Store) حققت نوعا آخر من الديمقراطية ساهم في وجود أكثر من 150 ألف تطبيق برمجي خلال عامين فقط، وهي تطبيقات غير مسبوقة، وذلك لأن أبل فتحت المجال للمبرمجين لتقديم برامجهم من خلال موقعها علي الإنترنت، وقدمت لهم أدوات برمجية سهلة الاستخدام، وأوجدت صيغة تجارية ناجحة من خلال حصول المبرمج علي 70% من مبيعاته. بالمقابل، أبل تفرض شروطا صعبة جدا علي تلك التطبيقات حيث يتم التدقيق فيها بشكل مكثف قبل إتاحتها للجمهور، وهذا أعطي الجمهور الشعور بالراحة أن تلك التطبيقات تتمتع بالحد الأدني من الجودة، وإن كانت هذه الآلية مزعجة للمبرمجين بلا شك. ما الفارق؟ عندما يكون الموقع مجانيا وهناك آلية واضحة لتمييز المشاركة الأفضل من المشاركة الأسوأ فالانفتاح الكامل أفضل، وعندما يكون هناك مقابل مادي يدفعه الجمهور، فإن الانفتاح يجب أن يتضمن تحكماً كاملاً في الجودة لضمان النجاح والاستمرارية.