حالة فريدة حقا أن تجد نفسك في منطقة وسطي بين الحياة والموت، ولأنك تحيا بدون أوراق رسمية، فأنت في نظر الحكومة لست ميتا لأن الميت له شهادة وفاة، ولست حيا لأنك ساقط قيد، هكذا تبدو حياة سكان قرية الوفاء بالمنيا. لكن الأغراب أن تختار أنت وبمحض إرادتك الهروب من القيد في السجلات الرسمية. «روزاليوسف» كانت هناك عايشت هؤلاء البشر، ورصدت معاناتهم وأسباب سقوطهم من سجلات الدولة، فاكتشفت أنهم سقطوا أيضا من أجندة الخدمات والمرافق. 10 آلاف مواطن بقرية الوفاء بالمنيا.. بعضهم هرب من قري الصعيد بسبب الثأر ورفض استخراج إثبات الشخصية، والبعض الآخر لم يستخرج شهادات ميلاد لأبنائه، لكي لا يدخلوا المدارس ويتفرغوا للعمل معهم في الأراضي الزراعية، وآخرون سيطر الجهل علي عقولهم ليعتبروا الأوراق الرسمية عديمة الأهمية.. وتتعدد الأسباب، وتختلف، وتتراكم والنتيجة في النهاية واحدة، وهي أن «الوفاء» قرية ساقطة قيد. رحلتنا إلي القرية بدأت بالوصول إلي موقف سمالوط بالمنيا.. لا يوجد أحد من السائقين يعرف القرية، أو كيف نذهب إليها، بحثنا في اللافتات داخل الموقف لم نعثر علي اسمها رغم تأكدنا أن هذا الموقف هو الأقرب إليها، أخيرا أرشدنا سائق إلي موقف السيارات ربع النقل هو الوحيد الذي يمكننا الذهاب إلي القرية من خلاله. انتقلنا للموقف، ركبنا سيارة ربع نقل متهالكة، تسير في طرق وعرة غير ممهدة، الوصول إلي القرية كان بمثابة رحلة عذاب استغرقت حوالي 60 دقيقة. بمجرد وصولنا للقرية، التقينا أحد الأهالي ويدعي أحمد حسين، سألناه عن حكايات ساقطي القيد بالقرية لنفاجأ بأنه شخصيا حكاية تجسد هذه المأساة. أحمد أصيب بشلل أطفال بسبب عدم حصوله علي التطعيمات بعد أن امتنع والده عن استخراج شهادة ميلاده، ولذلك فهو يسعي لقيد أطفاله حتي لا يلقوا نفس المصير. «أحمد» ليس الحالة الوحيدة في القرية فهناك الآلاف مثله، ومنهم «محمد سيد» مزارع، الذي يعتبر القرية ساقطة قيد في كل شيء فالخدمات الأساسية غير متوفرة حيث إن نصيب كل أسرة سبعة أرغفة عيش بغض النظر عن عدد أفرادها مقابل ثلاثة جنيهات شهريا. فالقرية لا يوجد بها إلا مركز طبي واحد انشئ مؤخرا ويفتقر للتجهيزات الطبية كما أن الكهرباء تنقطع بشكل دائم مما يؤدي إلي كثرة السرقات خاصة سرقة «المواشي»، وبالتالي فإن عدم وجود اثبات شخصية هو مشكلة بسيطة مقارنة بمشاكل القرية المتعددة علي حد وصف «مختار حمدي» الذي أكد أن كل كبار السن بالقرية من النساء والرجال «ساقطو قيد» لعدم الاهتمام بوجود مثل هذه الأوراق فمعظم سكان أهل القرية يعتمدون علي الزراعة كمصدر للرزق يرفضون تسجيل أبنائهم خاصة الذكور حتي يتهربوا من أداء الخدمة الالزامية للدولة، ويساعدوهم في الزراعة، وحتي إجراءات الزواج فتعتمد علي العرف وليس توثيق الأوراق لذلك نادرا ما تجد أحداً من السكان لديه ورقة زواج، وإن كان الاهتمام بوجود مثل هذه المستخرجات قد ظهر مؤخرا بعد نزول الجمعيات الأهلية ومساعدة الأهالي في استكمال أوراقهم بدون الحاجة إلي النزول إلي المركز أو المحافظة. ولا يوجد بالقرية إلا مدرسة واحدة آيلة للسقوط تعمل مرتين الأولي للابتدائية والثانية للمرحلة الاعدادية وبها 800 تلميذ بالمرحلتين، وغالبا ما يتوقف التعليم عن هذه المرحلة وهو ما رفع نسبة الجهل بالقرية إلي 80% كما أوضح محمد عادل مدير المدرسة. ليست قرية الوفاء وحدها هي التي تعاني تلك المشكلة فالمسئول عن مشروع الحد من الفقر بجمعية سلامة موسي بالمنيا حسام محمد الذي ساعد بعض أهالي القرية في استخراج أوراقهم الرسمية أكد أن معظم القري في المنيا تعاني من نفس المشكلة، حيث تم استخراج حوالي 22 ألف شهادة رسمية للأطفال والنساء علي مستوي المنيا بالاشتراك مع 30 جمعية أخري لديها خبرات في استخراج الأوراق الرسمية.