السيد الرئيس محمد حسني مبارك بعد وافر التحية وكل التقدير ومزيد من الاحترام أكتب إليك رسالتي تلك باعتباري مواطناً في هذا البلد العظيم.. انشغل بالتأكيد علي أحوالك الصحية.. ليس فقط باعتبارك رئيسنا المنتخب.. وإنما باعتبارك مصريا أصيلا ومخلصا.. أحببناه.. وارتبطنا به.. وندرك أنه يعمل من أجلنا بمنتهي الدأب والوطنية.. وكل التفاني.. ساعياً من أجل خير بلده واستقراره ونموه. أكتب إليك باعتبارك رمزاً مصرياً فريداً.. بطلاً حقيقياً.. وقائد تاريخياً.. يمثل علامة بارزة في مسار البلد.. نثق فيه.. ونؤمن بدوره.. ورغم كل المقالات التي تمتدحك وتثني علي مناقبك.. إلا أنني أعتقد أنك لم تنل التقدير الواجب لك حقاً.. إن كثيراً من الأخبار والتحليلات تكتب عنك.. ولكن طبيعتك وشخصيتك ووطنيتك لم تسبر أغوارها بعد. أكتب إليك مقدراً زعيماً أكيداً.. تصله بتراب مصر وشائج حقيقية لا يمكن فصمها.. فقد أُنْبِتَّ علي الإخلاص وإنكار الذات.. بطلاً مغواراً.. صاحب إنجازات.. وصانع مجد.. قاد جمهورية النهضة والتحرر.. صان الوطن وحماه.. وأبدع تطوره وتحوله.. ومكن الدولة من نمو حقيقي ووضع أقدامها علي طريق الانطلاق. ولا شك أن مناسبة ما أكتب هي عودتك سالماً معافي إلي مصرنا الغالية.. إذ لن يتاح لنا أن نطمئن عليك بأنفسنا مباشرة.. وأن نعودك بعد عودتك.. فلو أتيح لكل مصري راغب في أن يقوم بهذا الجهد من أجل أن يعبر لك عن مشاعره.. لاحتجنا إلي 80 مليون دقيقة.. إذا ما افترضنا أن كل مواطن قد أتيحت له دقيقة لكي يبلغك بأنه سعد بعودتك ودعا لك وصلي من أجلك.. فالمشاعر الحقيقية الأصيلة المحيطة بك من أبناء بلدك.. هي رصيدك الحقيقي وثروتك الهائلة. إن المصريين يحبونك ياسيادة الرئيس.. ويتمنون لك كل الخير.. وهو حب عاقل وناضج.. لأن له أسبابه.. النابعة من إدراكهم أنك فعلت وتفعل كل ما فيه مصلحتهم.. وكل ما يحقق لهم تواصل مسيرتهم.. المصريون يحبونك لأنك صنعت لهم النصر.. ولأنك حررت الأرض.. ولأنك بنيت البلد من جديد.. ولأنك صددت عنهم الإرهاب حتي تآمر عليك لولا رعاية الله واستجابته لدعواتنا وحفظه لك.. ولأنك منعت عنا الحروب.. ولأنك تُعيشّنا في بلد مستقر آمن.. ولأنك فتحت أبواب الديمقراطية التي أتاحت لبعض أبناء هذا البلد أن ينهالوا نهشاً في مجدك.. وفخارك.. غير أنهم لا يستطيعون. سيادة الرئيس .. أنت وصلت بالأمس إلي شرم الشيخ.. حيث سوف تقضي وقتاً ضرورياً.. نتفهمه.. فيما بعد الجراحة الصعبة التي مررت بها.. إنها المدينة التي تمثل أيقونة مجدك كله.. مجد له مراحل بناء.. فأنت من حررها من الاحتلال.. خضت المعركة مع فصيل رائع من قيادات جيشنا في حرب 1973 .. وكانت ضربتك الجوية من أهم علامات تلك الحرب.. وثابرت فيما بعد إلي أن حررتها بتطبيقك لاتفاقية السلام.. وإمساكك بنواجذها.. وإصرارك عليها.. وفتحت باب النمو لها.. وصارت قبلة العالمين.. وموقعاً فريداً يحظي بالسمعة العالمية الرائعة.. التي تثير حقد الكثيرين. إن شرم الشيخ إذا كانت هي أيقونة مجدك.. فهي ليست كل هذا المجد.. ولكنها عنوان من عناوينه.. وفي جميع أرجاء مصر.. تتناثر بصمات جهدك.. وصنيع فعلك.. مدناً ومصانع ومزارع وطرقاً وقناطر وسدوداً ومدارس وجامعات.. ثمار الاستقرار الذي أرسيته.. والأمن الذي صنته.. والواقع الذي أضفته.. يبصره كل ذي عينين.. وإن أصر علي ألا يراه بعض أبناء هذا البلد.. الإنكار لا ينفي الحقيقة.. والنفي لا يغشي بصر وبصيرة الرائين. إن من حقك علينا أن نقول هذا.. وأن نذكره في هذه اللحظة المهمة وأنت تعود إلي وطنك وإلي شعبك.. فنحن ندرك أن ذلك واجب علينا.. ومادمنا غير قادرين علي أن نثقل عليك بزيارات شخصية لكي نهنئك بالعودة إلي مصر بعد رحلة العلاج.. فلا أقل من أن نسجل ذلك في رسائل مفتوحة تعبر عن امتناننا وتقديرنا.. وتنقل إليك مشاعرنا الصادقة. سيادة الرئيس.. ها هو وطنك تراه مجدداً، ودائماً بإذن الله، تحتضن عيناك رماله وبحاره ودلتاه، ولابد أنك تلمس الآن حين هبطت إلي هذا المطار في جنوبسيناء كيف لفحت وجهك حرارة طيبة.. نابعة من دفء الطقس ومن دفء المشاعر التي أرسلناها إلي هناك في استقبالك.. من جميع أرجاء مصر. أجيال مختلفة تدرك حجم ما قمت به من أجل البلد.. وما ستقوم به إن شاء الله.. خصوصاً تلك الأجيال التي عاشت في عصور الهزيمة والحروب.. وكانت نوافذ بيوتهم تطلي باللون الأزرق خشية أن تصيبهم شظايا الغارات.. أو كانوا من بين العائلات التي فقدت ذويها من بين المائة ألف شهيد الذين ضحينا بهم من أجل قضية فلسطين.. أجيال تعرف أنك تسلمت بلداً منهكاً مرهقاً متعباً.. علي وشك الإفلاس.. يغضب فيه الناس ويخشون علي الغد حين يزيد سعر كيلو الأرز قرشاً. تلك الأجيال التي تعيش في بلد تمكنت بجهد خارق وعلاقات دولية مستقرة وتحالفات فعالة من أجل مصر وسياسة خارجية متعقلة من أن تسقط ديونه الخارجية.. وأن تعيد التوازن إلي ميزانيته التي كانت تسحب علي المكشوف.. وتغطي عجزها بطبع البنكنوت.. ولا تستطيع أن تجد في خزائنها دولارات تكفي لكي تسدد ثمن صفقة قمح كي نخبز للناس عيشاً يأكلونه. أجيال تعرف أنك تسلمت بلداً مقطوع الأوصال مع أشقائه.. سفاراته مغلقة في البلدان العربية.. مقر الجامعة العربية التاريخي خارج القاهرة.. وتعرف أنك بذلت جهداً عظيما لإعادة بناء ما تهدم ووصل ما انقطع.. فعادت مصر قائدة للإقليم قولاً وعملاً.. تطبيقاً وممارسة.. تحترم الجميع وإن اختلفت مع البعض. .يجد أبناؤها ظلالا من مكانتها الكبيرة حيثما حلوا.. فيعملون ويكسبون.. بعد أن كانت توصد في وجوههم الأبواب. أجيال عانت من اشتراكية الفقر.. وعدالة العوز والاحتياج.. ورأت كيف أعدت بناء الاقتصاد.. تتضاعف فيه الأجور.. وتتضخم فيه مؤسسات القطاع الخاص والرأسمالية الوطنية.. ويفتح أبوابه للاستثمار الخارجي المتواصل.. الآتي بناء علي الثقة في أنك تقود هذا البلد.. وهي نفس الأجيال التي تدرك أنك تبذل كل الجهد من أجل أن تجتاز بالأمة عقبات لم تزل قائمة. سيادة الرئيس .. إن مطار شرم الشيخ الذي وصلته سالما بالأمس، يمثل نموذجا من مكونات البنية التحتية الهائلة التي شيدتها في السنوات الماضية، ومثله التطور المهيب في جميع مطارات مصر.. في أسوان والأقصر والغردقة.. وغيرها في أسيوط وشمال سيناء والإسكندرية.. وننتظر أن تقوم قريباً بافتتاح مطار في سوهاج حيث تتوجه التنمية بكثير من الإصرار نحو الصعيد. هذا الصعيد الذي كان نسيا منسيا.. وبفضل الحوافز التي دفعت بها فإنه ينطلق الآن مجدداً.. ويعود مغرداً في اقتصاد البلد.. محققاً نهضة تنمو يوماً تلو آخر.. والأمثلة مختلفة.. ومن بينها الطريق الذي افتتحته قبل أيام من سفرك إلي ألمانيا.. حيث أصبح متاحاً لقطاع كبير من أقاليم الصعيد أن يجدوا مسارا لينا ناعماً إلي شاطئ البحر الأحمر وكان قبل أسابيع من الآن حلماً بعيداً.. والوصول اليه منالا صعبا. هذا الصعيد الذي انشغلت به في برنامجك الانتخابي في أول انتخابات تنافسية علي منصب الرئيس.. فتحت الطريق إليها بتعديل دستوري تاريخي.. أجري تحولا في بنية السياسة في مصر.. لم يسبقك إليه حاكم منذ عهد مينا موحد القطرين.. ومؤسس الدولة المصرية في شكلها الجغرافي الحالي.. ولا نعجب وأنت تقدم للصعيد كل هذا حين نتذكر أن الصعايدة قد قدموا لك كل أصواتهم ومضوا يؤيدونك أكثر من غيرهم بنسب تفوق كل المحافظات الأخري.. مع العلم بأن نسبة تأييدك في أغلبية المحافظات كانت في حدود ال88% . سيادة الرئيس .. أكتب إليك هذا الخطاب علي جهاز كمبيوتر.. وسوف أرسل به إلي الجريدة عبر البريد الإلكتروني.. مستفيداً من تطور عصري هائل أدخلته سياساتك علي البنية التحتية في مصر.. التي أصبحت من بين أفضل الدول استفادة بثورة المعلومات.. وبنية الاتصالات.. سواء في مجالات الإنترنت.. أو مجالات السوفت وير.. إن بلدنا هذا الذي كان يعاني فيه الناس من أنهم لا يتمكنون من إتمام مكالمة تليفون، فيه خمسون مليون شخص في أيديهم موبايلات.. وفي بنود ميزانيته ما لا يقل عن 500 مليون دولار قيمة صادرات مصرية إلي الخارج في مجال المعلومات وغيرها من المتشابهات. ولا يمكن لهذه النهضة أن تتحقق في بلد لا يعيش الحرية.. الإنترنت شبكة أساسها الحرية.. والحرية أحد أهم إنجازات عصرك.. وعنوان الجمهورية التي ترأسها.. ونحن نعرف قيمة هذا.. ففي مصر كان الناس يخشون من أن يتحدثوا إلي أشقائهم في بيوت مغلقة.. حتي لا يعاقبوا علي ما يقولون.. بينما أنت صاحب إنجاز الإتاحة.. الذي جعل جمهورية الخوف هي جمهورية الحرية.. وقد تحررنا حتي أصبح البعض يتنافس في الإساءة إليك.. وعوضنا وعوضك أن هذا البعض قليل.. لا يعبر عن ملايين من المحبين لك محبة صادقة لا تحركها تمويلات ولا تديرها أصابع خفية ومعلنة. سيادة الرئيس.. إنك تصل إلي وطنك.. المستقل.. الذي واجهت ضغوطاً هائلة لكي ترفض بناء القواعد الأجنبية فيه.. وهي عروض تكررت عليك مراراً.. وكنت تقف ولم تزل في مواجهتها أبياً.. إذ كما سيكتب التاريخ أنك الزعيم المصري الذي تمكن من الإبقاء علي البلد محرراً بكامل مساحته.. بدون جندي أجنبي واحد.. بينما لم يزل بعض أشقائنا يناضلون من أجل هذا الحلم.. فإن هذا البلد يعرف ما هو الثمن الذي تعانيه لأنك لا تستجيب لإغواءات الضغوط حتي تبقيه بلا قواعد عسكرية للآخرين. لقد منعت البلد من أن يكون مثل أفغانستان.. بعد أن واجهت الإرهاب عنفاً وفكراً.. أو أن يكون مثل العراق.. بعد أن صمدت أمام أنواء السياسة الأمريكية التي أرادت أن تدفع البلدان في المنطقة لما يخالف ثقافتها ومقوماتها.. ومنعته من أن يكون مفتتاً إذ تواجه مخاطر الطائفية ومخططات التقسيم التي لا تتواني لحظة عن أن تمثل تهديداً حقيقياً لمصير مصر.. ومنعته من أن يكون ربيباً للفرس.. حرصت عليه بلداً معتدلاً ناضجاً له كلمته الدولية.. لا هائجاً ولا مهتاجاً.. يبيع وهم الشعارات لمواطنيه. كان سهلاً عليك أن تروّج بين الناس أننا نواجه تحديات المواجهة مع القوي الكبري.. وكان يسيراً عليك أن تُدخلنا في غياهب متعددة لها مبرراتها.. وأن تعطل مسارات الحياة.. بدون أن تتكبد كل هذا العناء.. وأن تقول: إننا نواجه الآخرين.. شياطين ومتآمرين.. لكنك قبلت تحدي التنمية من أجل مصلحة الناس.. ومن أجل مستقبل مصر.. وكان بسيطاً أن تتغافل عن كل هذا.. وتُدخلنا في متاهات.. ووقتها كنت سوف تجد من يقولون: إن علينا أن نمضي في طريق الدمار حتي آخر طوبة في أي بناء في كل محافظات مصر.. لكنك اخترت الطريق الصعب. سيادة الرئيس.. إن تهنئتنا بوصولك سالماً معافي جاءت مختلفة عن المعتاد.. ولكنها واجبة.. لكي نؤكد لك أننا لا نهنئك لمجرد نجاح الجراحة التي أجريتها.. وإنما لكي نعبّر عن مشاعر صادقة مبررة لها مكافئ موضوعي في نفوسنا وقلوبنا وعقولنا.. فالمشاعر لها ميزان.. وفي الكفة التي تخصك في مقابل مشاعرنا يوجد الكثير مما قدمت ووضعت وستقدم وستصنع. نتمني لك دوام الصحة.. وبقيت ذخراً رئيساً منتخباً وزعيمًا موثوقاً لهذا البلد الكبير. مواطن مصري متابعات ص3