لم أتابع استقبال الدكتور البرادعي، شاهدت في الصحف الجموع التي تكبدت المشقة لاستقباله، ليس باعتباره زعيما وطنيا راجعا من المنفي كما شبهوه بسعد زغلول، وليس كعالم فذ في تخصصه، وليس كقائد دبلوماسي قاد سفينة مناورات ومشاحنات وتحيزات ومشاريع الحروب الذرية تحت التجهيز بحذق وعدل وذكاء عبر العالم طوال هذه المدة، وليس بصفته الحائز علي نوبل للسلام، ولكن بصفته مواطنا مصريا أمينا قادرا، أدرك مدي ما آل إليه حال شعبه، فاستجاب بحذر واع إلي حاجة هذا الشعب للتغيير، ثم وجد في نفسه وصحته ووطنيته وقدراته ما قد يمكنه من عمل شيء ما في هذا الوقت الحساس من تطور وطنه والعالم، فقرر أن يفكر في أن يسهم في أن يجعل وطنه أفضل مما آل إليه علي أقل تقدير، فوضع شروطا هو أعلم من أي شخص آخر أنها غير قابلة للتنفيذ، ولا أتصور أنه وضعها ليبرر بها اعتذاره، فالأرجح عندي أنه وضعها وهو يتصور أنه لو وُجد بعض حكماء في النظام القائم، فإنهم قد يفكرون فيها، وقد يقبلونها، لصالحهم ولصالح الوطن في آن. انطلاقا من هذا التصور أطلقت لخيالي العنان لسبع سنوات تالية كما يلي: قبلت الحكومة شروط الدكتور البرادعي بتوصية من أغلبية الحزب الوطني، أو استجابة لتوجيهات الرئيس، وتم تعديل الدستور كما اقترح د. البرادعي وأكثر، (لم أرجع إلي اقتراحاته تحديدا، لذلك قلت: «وأكثر»، فلتكن اقتراحاتي أنا!!) وتضمنت التعديلات ما يلي: (1) يحق لأي مواطن مصري يري في نفسه القدرة علي خدمة بلده أن يتقدم للترشيح (2) يُسمح لأي مؤسسة محلية أو عالمية أن تراقب الانتخابات (3) تقوم السلطة القضائية بمسئولية الإشراف الكامل علي كل خطوات الانتخابات دون تدخل السلطة التنفيذية بأي صورة إلا لتسهيل وصول المواطنين إلي الصناديق (4) يحق الاقتراع لأي مواطن مصري يحمل بطاقة شخصية أو أي إثبات رسمي لهويته، أو بشهادة الشهود (تسهيلا لمشاركة المرأة التي لا تحمل بطاقة) . روح يا زمان تعالي يا زمان، جاء وقت الترشيح، وتقدم إليه عشرون مواطنا، اجتمعوا بطيبة ومسئولية، واتفقوا علي أن يتنازل عن الترشيح أربعة عشر منهم، لتصبح المنافسة أكثر إحكاما وجدية، فبقي من المرشحين (بالترتيب الأبجدي) كل من: (1) السيد/ أيمن نور (2) السيد/جمال محمد حسني مبارك (3) الدكتورة/ زينب رضوان (4) الدكتور/محمد أبو الفتوح (5) الدكتور محمد البرادعي (6) السيد/ أسعد لطفي . هذا وقد أجريت الانتخابات بعدل مطلق لم يتصور أحد إمكان تحقيقه حتي رضي الجميع، وجاءت النتائج علي الوجه التالي: السيد جمال محمد حسني مبارك 32.2%، الدكتور محمد البرادعي 31.3%، الدكتور محمد أبو الفتوح 20.2%، الدكتورة زينب رضوان 9.1%، السيد أيمن نور 6.1%، السيد/ أسعد لطفي 1.1% ثم تقرر إعادة الانتخاب بين المرشحين الأول والثاني، فجرت الإعادة مثل الجولة الأولي بمنتهي العدل والشفافية، وجاءت النتيجة كالتالي: السيد جمال محمد حسني مبارك 52.1%، الدكتور محمد البرادعي 47.9% لكن أنصار الدكتور محمد البرادعي، برغم اعتراضه شخصيا، تقدموا بمذكرة هادئة لا تطعن في الانتخابات، ولا تشكك في النتائج، إلي الرئيس محمد حسني مبارك ترجوه - بما عرف عنه من حكمة وبعد نظر- أن ينصح السيد جمال مبارك بصفة ودية بالتنازل عن الرئاسة هذه الدورة للفائز الثاني، نظرا لشدة حاجة الوطن لمن هو أكبر سنا، وأوسع خبرة في المجال الدولي خاصة، وربما تكون فرصة أكبر في الدورة القادمة، وقد يكون في ذلك أيضا ما يؤكد للشعب المصري الكريم مدي جدية وبعد نظره حين سبق أن صرح بما فُهم منه أنه يتمني أن يبتعد بمصر عن شبهة الاتهام بالتوريث، لكن الرئيس بما عرف عنه من عزوفه عن تدخله في أحكام القضاء، واحترامه اختيار الشعب بعد أن أقر الجميع بالعدالة المطلقة التي تمت بها الانتخابات، شكر للمتقدمين بالمذكرة ثقتهم فيه، واعتذر عن الاستجابة لمطالبهم، ودعا الجميع حكومة ومعارضة إلي أن يتعاونوا لخدمة هذا الشعب الأحوج لجهد كل فرد فيه أيا كان موقعه. وبعد ما رأيكم دام فضلكم؟ كيف يكون الحال في مصر بهذا الوضع الجديد عليها جدا لمدة الخمس سنوات القادمة، وما بعدها؟ وما رأيكم فيما يمكن أن يحدث في انتخابات عام 2017؟ وما رأيكم فيما سيكتبه التاريخ عن هذه الحقبة الرائعة من تاريخ مصر؟ ملحوظة: كل ذلك، وما زالت تحفظاتي علي الديمقراطية المتاحة هي هي، انتظارا لديمقراطية أرقي وأبقي وأقدر وأعمق. وحمدا لله علي سلامة الدكتور البرادعي. وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام.