محمد البرادعى الذى لايعرف شيئا ..باعترافه أسعد جداً حين أقرأ تصريحات للسيد الدكتور محمد البرادعي، المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، ذلك أننا نحتاج أن نتعرف أكثر علي طريقة تفكير هذا الرجل الذي يطرح نفسه علي الساحة السياسية الداخلية، بعد غياب عن مصر تجاوز الثلاثين عاماً.. وكما يقولون: تكلم حتي أراك.. وقد تكلم البرادعي بعض الشيء.. فتعرفنا عليه بعض الشيء.. والبقية تأتي. وقبل أن يأتي الدكتور محمد البرادعي في طلته الجديدة علي مصر، رافضا هذه المرة أن يلتقيه أحد في المطار.. فعبر وحيداً من صالة الوصول.. مثل أي مواطن أو زائر.. فإنه أعطي حواراً لمجلة نمساوية اسمها (دي برسيه) نشرت مقتطفات منه بالأمس جريدة الشروق الخاصة.. تحت عنوان: "أنا عود ثقاب إلي جوار برميل بارود".. وفي المضمون قال البرادعي مجموعة من النقاط واجبة التوقف: - الشعب يريد أن يشارك في تحديد من يحكمه.. لكن مازال الوقت طويلاً.. مصر كانت بلا ديمقراطية منذ خمسين عاماً.. والبعض فقد الثقة في نفسه. - حركة المطالبة بالتغيير تتصاعد.. والحكومة في حالة قلق.. وأنا هنا بمثابة عود الثقاب إلي جانب برميل بارود.. فإذا اختفي العود سوف يظل البرميل موجودا. - التحرك كله تم خلال عام من الشباب.. لم أكن أعرف شيئا.. طالبوا بالبرادعي رئيساً علي الفيس بوك دون أن يسألوني أو يتشاوروا معي.. الأمر كله لم يكن فكرتي.. والآن المجموعة تضم 250 ألف شخص علي الفيس بوك وهو رقم كبير جداً في بلد تنخفض فيه نسبة استخدام الإنترنت. - أنا لن أترشح لانتخابات 2011 إلا إذا تعدل الدستور.. لن أكون جزءا من نظام يفتقد الشرعية. انتهت الاقتباسات.. وبمعايير كاتب محترف.. فإن ما قاله البرادعي يمنحني فرصة مهولة لكتابة مقال ساخر.. يمكن أن يضحك القارئ لفترات طويلة.. سواء كانت سخرية لمجرد الإمتاع أو كانت سخرية من النوع المرير.. غير أني سوف ألجأ إلي أسلوب مختلف في التعامل مع هذا الكلام الغريب.. من رجل أقر في حوار مع مجلة أجنبية أي ليست من تلك النشرات الحكومية كما يصف الصحافة القومية بأنه لم يكن يعرف شيئا من سنة (!!!). إنه بالفعل لايعرف شيئا.. ويعيش في العالم الافتراضي.. ويقيم أحكامه علي أساس افتراضي من خلال تفاعلات الإنترنت.. خيال لا علاقة له بالواقع.. علي شبكات اجتماعية لاتستخدم بالتقييم لإصدار الأحكام السياسية.. وإن كان من الممكن أن توظف في الاتصال السياسي.. وهناك فرق بين الاتصال وإصدار الأحكام.. كما لابد عليه أن يعرف. إن الدكتور البرادعي لايعرف حقاً.. بدليل أنه يقدر أن استخدام الإنترنت في مصر منخفض.. وهذا كلام غير صحيح.. في مصر 17 مليون مستخدم للإنترنت.. بمعني أنه لو كان يقيم علي هذا الأساس من يطالبونه بأن يترشح فإن من أيدوه هم 1 علي 68 من مستخدمي الإنترنت في مصر.. ناهيك عن نسبتهم من 80 مليون مصري إذ سيكون المعدل هو 1 من كل 320 يريدون من البرادعي أن يترشح.. حتي لو أشار إلي مدي ضآلة الوجود السياسي الملموس للبرادعي.. وفق المقياس الذي يرتضيه. وهذا كلام لا تنبني عليه أحكام.. ببساطة لأن هناك فرقا بين التصويت الحقيقي والتصويت الافتراضي.. علي الفيس بوك يكون الصوت عبارة عن (كليك بالماوس).. وقد يكون صاحب الكليك يعبث وقد يكون صاحب قرار حقيقي.. كما أنه لاتوجد وسيلة للتحقق من كونهم جميعا مصريين.. أم من خارج مصر.. فالفيس بوك ليست شبكة مصرية وإنما عالمية.. ولايوجد سياق للتأكد من كونهم ليس بينهم أطفال.. أقل من سن التصويت المعروف قانونا. والأهم أنه إذا كان الربع مليون شخص الذين يتحدث عنهم البرادعي ويعتمد عليهم في إصدار حكمه علي الأمر موجودين بالفعل.. فلماذا لم يخرج نصفهم.. قل ربعهم لاستقباله.. لقد خرج إليه ألف شخص من ناشطي السياسة.. أقل من عدد من استقبلوا رامي لكح في المطار.. ثم لماذا لم يوقعوا له علي مطالبه فوراً.. في إطار الحملة التي دعا إليها.. وهو لم يجمع حتي الآن سوي بضع عشرات من توقيعات من حوله. المسألة برمتها في تقييم الأحكام السياسية علي أساس المقاييس الافتراضية.. تقودنا إلي ما هو أهم: مثلا.. ماذا عن المصريين الذين يتفاعلون مع الشبكات الاجتماعية الأخري.. ما هي قراراتهم.. ماذا عن المشاركين في (نيتلوج) و(ماي سبيس)، وغير ذلك.. والأخطر هل كل من يجد عدداً من الأشخاص يكتبون مطالبين له أن يكون رئيسا علي الفيس بوك سيكون عليه أن يستجيب لحكمهم.. طيب إذن ماذا عن مطالبي عمرو خالد بأن يترشح.. ومؤيدي حسن شحاتة.. وأبوتريكة.. وعمرو موسي.. وأحمد زويل.. واللاعب جدو.. او حتى شخص اسمه كمال الحديدى نظم له البعض حمله ليكون رئيسا باسم "حمله قشطه "وعشرات غيرهم.. لو أجري الدكتور البرادعي مجرد عملية بحث علي موقع الفيس بوك لعرف عددهم. ولو درس الدكتور البرادعي الأمر قليلا.. فإنه سوف يدرك ما هي طبيعة المساحة المهولة ما بين الواقع والافتراض.. وعلي سبيل التذكير فإن عدداً ممن يحيطون من حركة 6 أبريل.. تمكنوا قبل سنوات من الترويج لصفحتهم علي الفيس بوك بما يفوق المائة ألف (كليك).. ولكنهم حين دعوا لعصيان مدني وإضراب عام لم يخرج أحد سواهم وهم عشرات. إن الدكتور البرادعي يظهر يوماً تلو آخر إلي أي مدي هو يعيش في وهم كبير.. وكلما تكلم أتاح لنا فرصة التعرف علي قدر هذا الوهم الذي يخالجه ويمتلئ به.. وهو ما ينقلنا إلي نظرية (عود الثقاب وبرميل البارود).. وهذه سوف نكمل فيها غداً.