الدنيا اتغيرت.. الناس.. الأخلاق.. الشوارع.. العلاقات بين الأبناء والآباء.. وأمور كثيرة من الصعب حصرها.. ولكن ما يهمني هنا.. هو طموح المواطنين وتطلعاتهم. فلم يعد المواطن المصري يحلم بالقليل.. والبسيط.. بل أصبح يرفع هامته عالياً مطالباً بتغيير كل شيء.. علاقته الأسرية.. راتبه.. الشوارع النظيفة.. حتي الحواري والأزقة.. يحبها مرصوفة مضاءة دون الضغط علي المسئولين. لكن.. للأسف.. زاد الطموح إلي أمد بعيد مغاير لطبيعته الأصلية.. لا أعمل وأريد حوافز.. لا أتحرك.. وعلي غيري أن يتحمل مسئولية معيشتي كاملة.. أقذف بالقاذورات في الشوارع.. وأصرخ أن الميادين غير نظيفة.. وأن المسئولين لا يقومون بواجبهم.. لايزال الملايين من الناس لا يحملون بطاقة انتخابية ويبحثون عن مرشحين جدد يحققون آمالهم.. معادلة غريبة تثير الكثير من علامات الاستفهام لطبيعة هذا المجتمع. يطالبون بتطبيق القوانين بحذافيرها علي الغير أياً ما كان هذا الغير.. وياحبذا لو كان من النخبة أو الساسة أو المشاهير.. وعندما يقترب منه القانون مجرد اقتراب يرفضه ويقذف به بعيداً مطالباً بالرحمة والعفو.. وتطبيق قواعد حسن النية.. وعفا الله عما سلف. هذه ليست مقدمة عبثية أو من نافلة القول.. ولكنها واقع ألمسه علي مدار السنوات السابقة.. ويمكن أن يكون هذا حصاد سنوات طويلة من حكم الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات اللذين زرعا في طبيعة الناس الاعتماد علي الدولة وحدها في تيسير أمور وحياة المواطنين بدءاً من رغيف الخبز حتي الحصول علي شقة مجانية أو وظيفة بلا عمل.. ووصولاً إلي انتخاب "الدولة" أحد المرشحين ليدافع عن هؤلاء المواطنين في البرلمان.. ويكتفي المواطن بالمشاهدة أو الفرجة من خلال التليفزيون والجرائد علي الصراخ والمناقشات والفضائح.. ليعود مساءً إلي منزله يحكي عن شتيمة فلان.. وخبر علان ولا ينسي بالطبع أن يترك عمله الذي استيقظ من أجله صباحاً.. ليبدأ الحكي ويلعن الزمن والمسئولين والشعب أيضاً لأنه لا يتحرك ساكن تجاه أي موضوع حيوي ومهم لمستقبل هذا الوطن. لذلك ليس مستغرباً أن يكون عدد سكان أحد المراكز أكثر من مائتي ألف مواطن لا يصوت في الانتخابات إلا سبعة أو عشرة آلاف فرد فقط.. ويعتمد أي مرشح علي اجتذاب النخبة في المنطقة أو الدائرة وبعض السيارات التي تجول في الشوارع صباح مساء بالميكروفون ليحصل علي هذه الأصوات القليلة ليضمن فوزه في الانتخابات. ولكن.. السؤال الأهم في هذه القضية: هل سيتغير طموح الناس في الفترة المقبلة ويعلمون أن الطموح وحده دون عمل ووعي وإيجابية بروح المبادرة هو الطريق الوحيد لتغيير المجتمع للأفضل وإرساء الحقوق والواجبات لاستقرار المجتمع؟ وأخيراً.. تملكتني فرحة ما.. خلال الأيام القليلة الماضية لأن الوزير الأسبق منصور حسن.. الخارج من الماضي انتبه أخيراً إلي أن تعديل الدستور لايتم تغييره لهوي أشخاص وطالب د.البرادعي بدخول الانتخابات من أي باب.. حتي صديق عمري وزميلي المحترم وائل الإبراشي رئيس تحرير صوت الأمة.. لم يجد حرجاً أو تسويفاً أن يعلن بصراحة ووضوح مطالبته للدكتور البرادعي العائد من الخارج أن يخرج أو ينزل من برجه العاجي ويدخل الانتخابات من أي باب.. فضلا عن مطالبته بالذهاب إلي محافظات مصر المحروسة بقراها ونجوعها ومراكزها للتعرف علي حياة المواطنين هناك علي الطبيعة.. بدلاً من "إسماعيلية رايح جاي".