ارتبط مصطلح اللجنة الرباعية التي تضم كلاً من الأممالمتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا والولايات المتحدة بخطة خارطة الطريق لسلام الشرق الأوسط التي صدرت رسمياً في 30 إبريل عام 2003 وحددت هدف تحقيق تسوية نهائية وشاملة "للنزاع" الإسرائيلي الفلسطيني بحلول عام 2005، من خلال مراحل واضحة وجداول زمنية ومواعيد محددة كأهداف ومعالم علي الطريق تهدف إلي تحقيق التقدم عبر خطوات متبادلة من قبل الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية، وقد تمثل الدور الذي رسمته اللجنة لنفسها في المساعدة وتيسير تطبيق الخطة وعقد اجتماعات منتظمة علي مستوي رفيع لتقييم أداء الطرفين فيما يتعلق بتطبيق الخطة. وبالعودة إلي الوراء قليلاً يظهر بجلاء أن مطلع عام 2005 الذي لم يكن قد رأي بعد الانقسام الحالي داخل الساحة الفلسطينية سياسياً (بين الفصائل وخاصة فتح وحماس) وجغرافياً (بين الضفة الغربية وقطاع غزة) لم يحمل معه علي الأقل الانتهاء من تنفيذ الالتزامات التي حددتها المرحلة الأولي من الخطة، الأمر الذي دفع بالرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش إلي ترحيل الموعد المرتقب لتحقيق الهدف المنشود إلي عام 2009، وهو الموعد الذي لم يكن من الممكن الالتزام بدوره، مما فتح الباب أمام عملية ذات نهاية وآفاق غير محددة، بالرغم من تعاظم التحديات وتتابع الأحداث التي تراكمت لتزيد من صعوبة تحقيق الهدف المنشود في ظل غياب آلية مراقبة واضحة من قبل اللجنة. وعلي هذه الخلفية يكمن النظر إلي نتائج الاجتماع الذي عقدته اللجنة في موسكو في الثامن عشر من مارس 2010 وما سبقه وما هو مقرر أن يتبعه من تحركات من خلال النقاط التالية: 1- أن المفاوضات المباشرة التي دارت بين الطرفين المعنيين علي مدار الأعوام الماضية قد أخفقت في التوصل إلي معالم واضحة علي الطريق خاصة فيما يتصل بخطوات بناء الثقة المطلوبة بين الطرفين، بل أن هذه المفاوضات قد شهدت انتكاسة حقيقية نتيجة تجميدها لما يزيد علي عام نتيجة للعدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، ونتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة والتي أفرزت حكومة يمينية متشددة قبلت علي مضض بخيار الدولتين وفقاً لشروط هدفت إلي تفريغه من مضمونه بما يصب في خانة مصالح طرف واحد تم إعادة تسميته ليصبح دولة إسرائيل اليهودية. 2- علي الرغم من الجهود الأمريكية لإعادة إطلاق المفاوضات فإن الموافقة الفلسطينية- المشفوعة بمساندة عربية- علي صيغة المفاوضات غير المباشرة لمدة أربعة أشهر، لم تخرج فعلياً إلي حيز الوجود نتيجة للضربة الإستباقية التي وجهتها لها الحكومة الإسرائيلية والمتمثلة في إطلاق مشروعات طموحة للاستيطان في القدسالشرقية وتدشين كنيس الخراب علي مشارف المسجد الأقصي. 3- إن تناول خطة الرباعية الدولية لملف الاستيطان، وعلي الرغم من أنه امتنع عن حسم مستقبله بشكل نهائي تاركاً ذلك إلي مفاوضات تجري بين الأطراف المعنية، اقتصر علي النص بوضوح علي قيام إسرائيل بالتفكيك الفوري للبؤر الاستيطانية التي أقيمت منذ شهر مارس 2001، وتجميد جميع الأنشطة الاستيطانية بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات. وقد مثلت هذه النقطة علي وجه التحديد محك تقييم النوايا الإسرائيلية الحقيقية فيما يخص إحلال السلام في المنطقة استنادا إلي مبدأ الأرض مقابل السلام الذي أعادت الخطة التأكيد عليه، فلم يقتصر الأمر علي بناء الجدار العازل، الذي التهم الكثير من الأراضي الفلسطينية ليرسم معالم حدود تضم وراءها الكتل الاستيطانية، بل تتابعت الخطوات لتؤكد علي أرض الواقع ما سبق أن قررته إسرائيل عام 1981 بأن القدس الموحدة عاصمة أبدية لها، وهو القرار الذي رفض المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن، الاعتراف به واعتبره لاغياً ودعا الدول الأعضاء في الأممالمتحدة إلي عدم التعامل معه. 4- إن اجتماع موسكو جاء في وقت أقدمت فيه الحكومة الإسرائيلية علي تنفيذ واضح وجريء متسارع الخطي لما سبق وأن عبرت عنه النخبة السياسية في البلاد - بانتماءاتها الحزبية المختلفة - فيما يتصل باستثناء القدس من ملفات التسوية بما يستثني البناء فيها من ملف الاستيطان ويضعه في إطار عملية الإعمار العادية داخل أراضي الدولة اليهودية، بل امتد التطبيق لهذا المنطق إلي الأبعاد الدينية من خلال إرساء أسس كنيس الخراب اليهودي علي مشارف المسجد الأقصي ليؤكد علي الطابع المميز للمدينة التي أريد لها أن تكون عاصمة أبدية للدولة اليهودية التي يسكنها الشعب المختار. وإذا كانت المكونات الأربعة للجنة قد سبق أن أيدت بشكل منفرد مواقف صبت في خانة رفض ضم القدسالشرقية وعدم الاعتراف بالإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الخصوص، وهو ما أعاد مؤتمر موسكو التأكيد عليه بشكل جماعي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يدور حول التحرك الذي يجب أن يتبع التنديد والرفض، آخذاً بعين الاعتبار أن اللجنة تضم أربع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلي الأمين العام للأمم المتحدة، بما يعنيه ذلك من القدرة النظرية علي تحويل التنديد والإدانة إلي قرارات ملموسة ملزمة وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، في ظل مواقف الصين المعروفة التي تجعل استخدامها لحق الاعتراض علي مثل هذا التوجه أمراً مستحيلاً. وفي ضوء ما تقدم يمكن النظر إلي زيارة أمين عام الأممالمتحدة إلي المنطقة التي ستتزامن مع عودة المبعوث الأمريكي إليها، وقرب انعقاد القمة العربية التي سيتصدر الملف الفلسطيني جدول أعمالها، مع إخفاق جهود استئناف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية حتي بشكل غير مباشر، بما يعنيه ذلك من عدم الانتظار لفترة الأربعة أشهر التي حددتها لجنة متابعة تنفيذ مبادرة السلام العربية، باعتبارها حلقات متتالية تقود إلي وضع المجتمع الدولي عامة، واللجنة العربية خاصة، أمام مخاطر تحمل مسئولية تدهور شامل للأوضاع في المنطقة يطلق قوي العنف النابع من الشعور بالظلم وعدم الثقة في البيانات والاجتماعات التي تضم القوي المؤثرة علي الساحة الدولية، والتي لا تتم ترجمتها علي أرض الواقع، بما يؤكد مقولة وجود دول في عالمنا المعاصر فوق القانون الدولي، وهو ما أوضحته بشكل غير مباشر تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الذي أعلن أن بيان اللجنة- بالرغم من أنه لم يتجاوز حدود الإدانة والشجب المألوفة- "يبعد آفاق التسوية السليمة للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي" وأن اللجنة تحاول "فرض السلام بصورة مصطنعة من خلال وضع العملية في أطر مؤقتة غير واقعية"!