"البرقع (أو النقاب) كظاهرة إجتماعية ليس إلا الجزء الظاهر من الجبل الجليدي، فما خفي كان أعظم"، هكذا بدأت دنيا بوزار وابنتها ليليا، عالمتا الأنثروبولوجيا الفرنسيتان، ذات الأصول العربية والمسلمة، كتابهما الذي خرج إلي النور في بداية هذا العالم 2010، بعنوان "الجمهورية أم البرقع". وتري المؤلفتان أن الأمر يتعدي البرقع في حد ذاته إلي التلاعب بطرق مختلفة لفرض نوع من "الأسلمة" علي المجتمع الفرنسي في كافة مجالات الحياة اليومية. فالمسلمون في فرنسا اليوم بدلا من أن يبحثوا عن وسائل للتأقلم والإندماج في مجتمعهم بدأوا يخلقون الظروف الاستثنائية لأنفسهم فهم يطالبون بساعات مخصصة للسيدات في حمامات السباحة تنزل فيها المرأة ب"البوركيني" (المايوه الشرعي!)، وأن تتناسب مواعيد المدارس مع مواعيد الإفطار في رمضان ، وبمطاعم تقدم اللحوم الحلال، وغرف طوارئ في المستشفيات العامة بدون رجال.. وتؤكد دنيا بوزار أن حالة الإضطهاد والتشويه التي يعاني منها الإسلام والمسلمون سببها تشدد من المسملين يقابله عدم تفهم من المجتمع الفرنسي . وقد صدرالكتاب قبيل صدور قرار اللجنة البرلمانية المعنية بقضية النقاب والتي تشكلت في يونيو 2009 من 32 نائبا فرنسيا من مختلف التيارات السياسية، وترأسها النائب عن الحزب الشيوعي "أندري جيران"، واستمعت اللجنة طوال ستة أشهر إلي 75 شخصية من ضمنهم "نساء منقبات"، ومسئولو الأقلية المسلمة كرئيس المجلس للديانة الإسلامية "محمد موساوي"، وعميد مسجد باريس "دليل أبو بكر"، والمفكر السويسري المسلم "طارق رمضان".. وبالرغم من أن دنيا بوزار كانت من أكبر المنتقدين لقرار منع الرموز الدينية في المدراس وعلي رأسها الحجاب ، إلا أنها تمنت ،ومعها الكثير من المنظمات الإسلامية المعتدلة أن يصدر قانون بمنع النقاب وهو ما أوصت به بالفعل اللجنة البرلمانية في تقريرها الصادر في نهاية شهر يناير الماضي ، حيث اعتبر التقرير أن "النقاب مضاد لقيم الجمهورية التي هي: الحرية، والأخوة، والكرامة الإنسانية، وحث البرلمان الفرنسي علي ضرورة إصدار قانون بمنع هذا اللباس في المؤسسات الحكومية والمواصلات العامة، لكنه استبعد إمكانية منع النقاب في الشوارع،لوجود عقبات قانونية. وتعتبر بوزار، التي عينها نيكولا ساركوزي في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عندما كان وزيرا للداخلية بصفتها تمثل الإسلام المعتدل ، أن انتشار النقاب يعبر عن ظهور تيارات سلفية في المجتمع الإسلامي الفرنسي، وتري أن تدخل الدولة لحظر هذا اللباس أمر مقبول إذا ما كانت نتيجته ستؤدي إلي إضعاف هذا التيار. وهو ماأيده الإمام "حسن شلغومي، رئيس منتدي الأئمة الفرنسي الذي دعا إلي سن قانون لمنع النقاب لتعارضه مع مصالح مسلمي فرنسا. وبالرغم من ذلك أبدي بعض الخبراء استغرابهم حيال التركيز علي قضية النقاب لدي المسلمات دون الإلتفات لحقهن في ارتداء ما يرغبن من ملابس، وكذلك دون إنكار حق الراهبات في تغطية رؤوسهن أو وضع السيدة الأولي السابقة في فرنسا، بيرناديت شيراك، غطاء للرأس خلال زيارتها للفاتيكان، واعتبروا أن السبب يرتبط بنظرة المجتمع الفرنسي إلي الإسلام علي أنه دين غريب ووافد، بخلاف المسيحية التي تتمتع بجذور عميقة في المجتمع، رغم أن أعداد المسلمين في فرنسا تتجاوز الستة ملايين، ما يجعله الدين الثاني في البلاد، الأمر الذي يثير لدي بعض الأوساط الفرنسية حالة من القلق حيال احتمال انتشار التطرف.