أرواح شريرة تلبس "المعارضين الجدد" 1 - في العهود البائدة، كان المتسلطون والحكام الديكتاتوريون يستخدمون كلمة "الشعب"، قبل الأكل وبعده وأثناءه.. يحكمون باسم الشعب ولا ينامون ليغط الشعب، بينما الشعب يلعنهم كل صباح ومساء. - إذا قتلوا الأبرياء، فهذا باسم الشعب ومن أجله، فهم يقتلون من أجل استمرار الحياة، وكأن الحياة لا تستمر إلا بالموت، بالقرابين التي تذبح تحت أقدامها كل يوم. - إذا ظلموا، فهذا باسم الشعب ومن أجله، فالظلم عندهم هو قمة العدل، ومن أحشائه تولد الحرية للمتعطشين، فظلموا الناس، ولم يتبين للحرية أي خيط من نور. 2 - زمان.. كانت هذه الأنظمة الشمولية تختزل الشعب في هيئتها، فهي التي تحس بنبض الشعب، وكأن في يدها سماعة طبيب، "يسنتروها" فوق قلب الشعب. - الشعب كان آخر من يعلم أن هناك من يحس بمشاكله ويقيس ضغطه، لأنه لم يشعر في يوم من الأيام بأن هناك من يهتم بنبضه الذي أوشك علي الانفجار. - الديكتاتور في العهود الغابرة لم يكن يعلم ما إذا كانت الجماهير تسير خلفه لتهتف بحياته أم لترميه بالحجارة، اختلطت عليه الأصوات وأهتز طرباً للصخب والضجيج.. هذا هو الموروث القديم. 3 - الآن.. انتقلت "وكالة الشعب" إلي المعارضين الجدد مثلاً تسمع البرادعي يزين كل كلمة من كلامه بالشعب، و"أنا يا مني بأتحدث بلسان الشعب". - "مني" مين؟.. مني الشاذلي.. وهات ياشعب.. الشعب عايز يغير.. الشعب عايز يدستر "دستور".. الشعب يبحث عن دولة رشيدة.. "شعبي وأنا حر فيه". - يتحدثون عن الشعب، وكأن الشعب يجلس عن بكرة أبيه في الغرفة المجاورة، افتح الباب.. اسأل الشعب، فيجيب الشعب، و"اطلب تلاقي ثمانين مليون فدائي"! 4 - أصبحت كلمة الشعب علي المشاع يستخدمها كل من يشاء وكأنه يمضغ لبانة طرية، أوصي بها طبيب الأذن، الذي ينصح مرضاه أولاً يمضغ اللبان لتسليك الأذن. - ماذا يريد الشعب؟ ما هي همومه ومشاغله وقضاياه وآلامه وأوجاعه؟.. هل الشعب مشغول فعلاً بالدولة الرشيدة؟.. وما هي الدولة الرشيدة؟ وما علاقتها بهارون الرشيد؟ - لماذا انتقلت أمراض الديكتاتورية إلي "المعارضين الجدد"؟ وكيف عرفوا أنهم لسان حال الشعب ونبض الشعب وعقل الشعب وقلب الشعب وضمير الشعب؟ 5 - أحدهم كان يحاورني في برنامج فضائي، وظل طوال الوقت يفرط في استخدام الشعب، حتي أخرجني عن هدوئي، فقلت له: "هو سيادتك معاك سماعة بتقيس بيها نبض الشعب؟". - قبل أن نتحدث عن الشعب، لابد أن تكون لدينا مراكز بحثية محترمة تقيس الرأي العام بقواعد علمية بحتة، بعيداً عن شبهات التمويل، وظنون التكييف السياسي. - قبل أن أتحدث بلسان الشعب، لابد أن أستمع للشعب، وأجلس إليه ولا يتحقق ذلك إلا بالنزول إلي الناس في شوارعهم وحواريهم وفي المناطق العشوائية والمهمشة.. فهؤلاء هم وجيعة الشعب. 6 - الشعب الذي يتحدث عنه "المعارضون الجدد"، شعب من كوكب آخر، ويفترضون أنه لا ينام الليل من أجل تغيير المادة "76" ويبكي شجناً علي أطلال المادة "77" وشقيقتها "88". - الشعوب لا تأكل الدساتير بل الخبز، وإذا تم تغيير الدستور مرة كل 24 ساعة، فلن يوظف العاطلين ولن ينفع المهمشين ولن يشق المجاري في باطن الأرض حفاظاً علي الصحة العامة. - المثل الفرنسي يقول: "الشعوب كالنساء تؤمن بالدليل أكثر مما تؤمن بالقسم".. ونساؤنا عدن للوراء قروناً بفرمان صادر من حراس ضمير الشعب.. فين الشعب؟ 7 - أريد أن أقول: إن المعارضين الجدد تلبسهم الآن روح شيطانية شريرة لبست "هتلر" و"صدام" اسمها الشعب، فصاروا يتخيلون أن الشعب كله يجلس في غرفة المسافرين، التي أعدوها خصيصاً لضيافته. - الشعب موجود في الأزقة والحواري والمصانع والمزارع، في 45 ألف قرية مصرية، وليس في منطقة الصخب وسط البلد، فاذهبوا إلي الشعب قبل أن تتحدثوا باسم الشعب. - الشعب يحتاج التنمية والاستقرار.. الخبز والحرية.. والمسكن والعمل.. أما الشعب الذي يتحدثون عنه فقد خرج ولم يعد منذ أكثر من نصف قرن. E-Mail : [email protected]