الزهو كان هو الإحساس الطاغي الذي يسيطر علينا حينما التحقنا بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الوليدة.. وهذا الزهو مازال هو ذات إحساسنا ونحن نحتفل باليوبيل الذهبي لهذه الكلية التي يشعر خريجوها من مختلف التخصصات وشتي الأجيال أنهم أبناء قبيلة واحدة. كنا أربعة من الأصدقاء اخترنا الالتحاق بهذه الكلية عام5691م د. أحمد يوسف مدير معهد الدراسات العربية ود. أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة ود.عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية وأنا كان زملاؤنا يطلقون علينا اسم الرباعي الذهبي بعد أن شرعنا معا في إعداد مجلة حائط سميناها "اللواء السابع" نظرا لأننا كنا ننتمي إلي الدفعة السابعة التي تخرجت عام 9691. وأتذكر أنني أعددت في أول عدد لها استطلاعاً للرأي للزميلات والزملاء الجدد في بداية أول عام لنا بالكلية عن أسباب التحاقهم بالكلية.. واتفقت معظم الإجابات علي أن الرغبة في العمل الدبلوماسي هي التي قادتهم إلي هذه الكلية الوليدة. والآن وبعد أن بلغ عمر كليتنا الرائعة نصف قرن من الزمان انتشر ولمع خريجوها ليس فقط في العمل الدبلوماسي وإنما في كل مجالات الحياة في مصر.. لم يصبح خريجوها فقط سفراء لبلدهم في الخارج إنما صاروا أيضا وزراء وقادة أحزاب وهيئات مهمة ورؤساء مؤسسات صحفية ورؤساء تحرير وكتاباً مشهورين وأيضا رجال أعمال، وحتي الآن تولي أربعة من خريجيها منصب العميد لها من بينهم اثنان ينتميان إلي دفعتي (9691) هما د. كمال المنوفي ود. مني البرادعي. خريجو هذه الكلية صاروا نجوما لامعة في مجتمعهم سواء الذين كانوا من الموالاة أو المعارضة.. ولكن رغم هذا الاختلاف في الرؤي والمواقف والمواقع ظل الانتماء للكلية هي أقوي رباط يجمعنا جميعا.. يكفي أن يقول من تقابله إنه ينتمي لهذه الكلية سواء كان خريجا أو مازال طالبا حتي تشعر أنك تعرفه جيدا وأنه قريب منك وأنت قريب منه.. وكم تكون سعادتك وأنت تزور بلدا في الخارج وتقابل دبلوماسيين ينتمون للكلية. إنه إحساس الانتماء إلي عائلة أو قبيلة واحدة هو الذي يجمعنا جميعا حتي ولو كنا نلتقي لأول مرة.. عائلة كبيرة صار عمرها الآن نصف قرن من الزمان، ولكنها عائلة تفخر بأبنائها في شتي المجالات وتسعد بنبوغهم وتفوقهم وتميزهم. كنا في البداية عائلة صغيرة جدا.. أبناء الدفعة الواحدة يعرفون بعضهم بعضا.. ولعل هذا هو ما جعل البعض يتصور أنه هو سر الرابطة القوية التي تجمعنا نحن أبناء هذه الكلية.. ولكن هذه العائلة مع مرور السنوات لم تعد صغيرة ولم يعد تحصي أعدادها بالعشرات أو حتي بالمئات وإنما بالآلاف الآن، ومع ذلك مازالت هذه الرابطة السحرية تجمعنا حتي وإن تباينت مواقفنا واختلفت مواقعنا. ولذلك هناك شيء آخر غير العدد الصغير هو الذي صنع هذه الرابطة القوية السحرية بيننا.. وفي تقديري أنها الروح التي بثها فينا الرعيل الأول من أساتذتنا العظام الذين أنشأوا هذه الكلية وأخذوا علي عاتقهم مهمة إعلاء شأنها. إنها روح المحبة في ظل الاختلاف والوحدة في ظل التنوع التي حرص عليها هولاء الأساتذة وفي مقدمتهم د. محمد زكي شافعي ود. أحمد فتح الله الخطيب ود. إبراهيم صقر ود. حامد ربيع ود. عز الدين فودة ود. أحمد الغندور ود. عمرو محيي الدين. علمونا أنه لا يوجد أحد يمتلك الحقيقة المطلقة.. وبالتالي كيف نختلف باحترام بين بعضنا البعض.. علمونا أن تحمس كل منا لرأيه لا يعني أن يصادر رأي غيره. ولذلك.. كنا نتناقش بحماس وبحدة أحيانا إلي حد التصادم في الرؤي والمواقف، ومع ذلك كنا نجتمع في نهاية النقاش الحاد علي مائدة طعام واحدة في عزومة شاي لواحد منا. وهكذا.. نحن أبناء قبيلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ندين بكل شيء لأساتذتنا الأجلاء الذين أسسوا بنجاح صرحا علميا كبيرا، والأهم صرحا وطنيا مهما.