كرة القدم هي الرياضة الشعبية الأولي في العالم، وبأقدام لاعبيها تتعلق مليارات القلوب والعقول. مثل هذه المكانة لا تنبع من فراغ بطبيعة الحال ، ففي الكرة مقومات كثيرة لصناعة البهجة والسعادة، وتطهير النفوس والأرواح، وتقديم التسلية البريئة المنعشة التي تسهم في المتعة زهيدة التكلفة. تتضمن كرة القدم مفردات نجاحها، لكن هذا لا ينفي وجود رموز في تاريخها، لعبوا دورًا مؤثرًا في انتشارها، ولا شك أن المعلق الرياضي الشهير محمد لطيف، الذي غاب عن دنيانا في السابع عشر من مارس سنة 1990، من العلامات المضيئة في تاريخ كرة القدم المصرية، فهو لاعب فذ في صفوف نادي الزمالك ومنتخب مصر، وإداري ناجح، وإعلامي له السبق في التليفزيون المصري منذ تأسيسه. اتسم الكابتن محمد لطيف بخفة الدم والبساطة واللغة الشعبية السلسة التي تصل إلي الأذهان بلا عناء، ولا يجادل أحد في أن جهوده قد ارتقت بشعبية الكرة إلي ذروة غير مسبوقة، وعبر أكثر من ربع قرن واظب الرجل علي القيام بالرسالة التي نذر لها عمره، ومهد الطريق لأجيال متعاقبة من المعلقين، يختلفون عنه في الثقافة والمنهج والأسلوب، لكنهم يدينون له بالأستاذية ويقرون بالفضل. كان محمد لطيف رائدا مؤسسا، وقد تفوق علي أستاذه الكبير محمود بدر الدين، المعلق الرائد علي المباريات في الإذاعة، لكنه لم يقل عن نفسه يوما إنه صانع الإعلام الرياضي، وهو ما قاله واحد ممن اعتزلوا اللعب قبل ما يزيد قليلاً علي عشر سنوات، واستثمر نجوميته في سوق الفضائيات التي تزداد كل يوم، وتحول بفضل برامجه إلي غول يستحوذ علي كثير من الملفات الرياضية وغير الرياضية! كان شيخ المعلقين محمد لطيف بسيطًا متواضعًا، بريئًا من أمراض الادعاء الكاذب، ثم جاء جيل لا يخلو كثير من أبنائه من مشاعر النرجسية والغرور وإدمان البحث عن المصالح الشخصية. يتحدث بعضهم في السياسة والثقافة والقضايا الاجتماعية بجهل غير مسبوق، فيالها من مفارقة تثير الأسي والشجن، وتدعونا إلي الترحم علي رائد التعليق في الذكري العشرين لرحيله.