شهدت جماعة الإخوان المحظورة قانونًا خلال الأيام والأسابيع الماضية انقسامات حادة علي خلفية الانقلاب الذي قاده الفريق المسمي بالقطبيين ضد من يحسبون علي الإصلاح داخل الجماعة، وهو ما دفع كثيرًا من المراقبين لتقسيم الجماعة إلي اتجاهين يلتزم أولهما بمنهج سيد قطب التكفيري، فيما يتبني الفريق الآخر أفكار حسن البنا مؤسس الجماعة. د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان نفي وجود هذا التباين في الأفكار بين "البنا" وقطب وقال في حواره معنا إن الخلاف بينهما مفتعل وغير صحيح مشيرًا إلي أن فكرة تقسيم المجتمع إلي فريقين أصل لها حسن البنا ولم تكن من "عنديات" سيد قطب وإنما بمثابة تطور طبيعي لأفكار البنا.. الدسوقي تعرض في الحوار أيضًا لمجموعة أخري من النقاط المتعلقة بأفكار الجماعة المحظورة وخطورتها علي المجتمع المصري فإلي نص الحوار: جري الحديث عند الانقلاب الأخير الذي شهدته قيادة جماعة الإخوان المحظورة عن انشقاق في صفها في تقديرك هل كان في ذلك نوع من المبالغة؟ - في تقديري أن الانشقاق لم يقع داخل الجماعة لأن الخلاف بينهم دائمًا ما يكون حول الوسيلة وليس الهدف.. الخلافات تكون دائمًا حول أمور يمكن التراضي بشأنها في وقت آخر كما أن هدف الجماعة في إقامة الدولة الدينية لايزال قائمًا وإن كان الاختلاف بينهم علي تكفير الحاكم فإن الجميع متفقون علي الهدف الأساسي وهو استاذية العالم وبالتالي أي انقسام هو انقسام وقتي. هناك من يفرق بين أفكار حسن البنا وسيد قطب علي اعتبار أن الأخير كان أشد تطرفًا فهل أنت مع أصحاب هذا الرأي؟ - حسن البنا كان أول من دعا إلي تأسيس الدولة الدينية من خلال تأسيس جماعة الإخوان في 1928 والتي يتضح من لائحتها الداخلية هذا الهدف بوضوح.. بعد ذلك جاء سيد قطب وكانت أفكاره امتدادًا طبيعيا لأفكار البنا فجذور التكفير وتقسيم المجتمعات إلي دار كفر ودار اسلام كانت عند حسن البنا وكذلك موقف الجماعة من الأقباط علي أنهم أهل ذمة. تقصد أن الطائفية متأصلة في فكر الجماعة؟ - بلا شك وجميع أفكار الجماعة وتصرفاتها بداية من الشعار الذي يرفعونه وحتي الهدف الذي يسعون إليه يمثل نموذجًا واضحًا علي الطائفية وقديمًا كان لدي الجماعة شعار شهير يقول "اليوم يوم الصهيونية وغدًا يوم المسيحية". هل وجدت أفكار سيد قطب التكفيرية البيئة المناسبة في التنظيم الذي وضع أساسه حسن البنا؟ - الجماعة منذ تأسيسها علي يد حسن البنا وضعت آليات لقيام الدولة الدينية، وتمثلت في الكشافة والجوالة التي أنشأها البنا تماشيا مع فكرة التنظيمات السرية التي كانت موجودة في الاتجاهات السياسية الموجودة في حينه، إلي جانب ذلك كان هناك التنظيم السري العسكري الذي لم يكن كثير من أفراد التنظيم يعرفون به والذي كان بمثابة جناح عسكري للتنظيم كذلك الموجود في حزب الله اللبناني وحماس في فلسطين. وهل لايزال التنظيم موجودًا حتي الآن؟ - بالنظر إلي هيكل الجماعة وقدراتها التنظيمية لا يستطيع أي باحث أو مراقب أن ينفي وجود هذا التنظيم باعتباره مرتبطًا منذ نشأته بإقامة دولة دينية تتوافر بها عناصر القوة من خلال هذا التنظيم السري القادر علي المواجهة علي اعتبار أن الحق لابد له من قوة تحميه. إلي أي مدي تمثل هذه الأفكار خروجًا علي قيم المجتمع وعلي قيم الدين الإسلامي المعتدل؟ - الجماعة لديها مدارس خاصة أنشأتها لتخريج عناصر تؤمن بفكرها وهذه المدارس تمثل خروجًا صريحًا علي المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة في الأزهر الشريف وهذا ما ترتب عليه بروز أوجه الطائفية في المجتمع، حيث شعر المسيحيون بحاجتهم إلي ترسيخ وجودهم فأنشأوا الجمعيات القبطية التي أسست بدورها مدارس مسيحية للحفاظ علي هويتهم. ولكن هذا أمر غاية في الخطورة علي المجتمع؟ - الدولة من جانبها حاولت تقنين هذا المد الطائفي من خلال إنشاء مجلس أعلي للجمعيات الأهلية منوط به تنظيم هذه الأمور ونص في قانون الجمعيات علي حظر العمل بالسياسة والخطأ هنا يقع علي الطرفين لأنهما نظرا إليه من منظور طائفي ديني.. هذا خلق نوعًا من المواجهة بين الأديان دعمها أكثر أفكار التيار السلفي التي تزايدت في المجتمع بشكل ملحوظ. تقصد أن البنية المجتمعية المحافظة وفرت الأرضية الملائمة لانتشار هذه الأفكار؟ - بالطبع فالجماعة تتبني خطابًا دينيا يعتمد علي مداعبة المشاعر الدينية لدي المواطنين حتي تصل إلي هدفها في إقامة دولة دينية لا تعترف بالحقوق المدنية لكافة مواطنيها بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو عرقهم.. هذا يحدث علي أكثر من نطاق ففي الجامعات والمدارس مثلاً تجد الأساتذة يخاطبون التلاميذ والطلبة بعبارات تأتي في إطار فج من الطائفية تهدف في النهاية للقضاء علي مدنية الدولة وهذا ظاهر الآن في غالبية مؤسسات الدولة وآخرها مؤسسة القضاء. وهل هذه مسئولية وزارة التربية والتعليم وحدها؟ - الوزارات تتعرض لابتزاز من جانب الإسلاميين. وما شكل هذا الابتزاز؟ - الوزارات تخشي دائمًا المواجهة معهم خوفًا من الاتهام بالكفر ومن يرفع صوته محاولاً التصدي لهذه الأفكار في أي من قطاعات الدولة يجد هذه الاتهامات الجاهزة التي تمثل اغتيالا معنويا. إلي أي مدي تري أن هذه الأفكار المتطرفة قادرة علي تغيير هوية المصريين؟ - الشخصية المصرية تستمد جذورها من التاريخ الفرعوني.. هذا التاريخ المشترك جمع المسلم مع المسيحي في إطار من التسامح ورسخت فيه بعض العادات والتقاليد التي لاتزال باقية حتي يومنا هذا ولا تستطيع وجهة نظري هذه الأفكار أن تطغي علي هذه الشخصية المصرية العظيمة وإن كان الأمر في خطورته يستوجب المواجهة من خلال العمل علي إشاعة مناخ من الوحدة الوطنية وهذا يأتي عبر التمسك بسيادة القانون وعدم التفريق بين المواطنين علي أي أساس أو تباين اجتماعي إضافة إلي التغلب علي المشاكل الاقتصادية التي تستغلها هذه الجماعات المتطرفة في استقطاب الشباب مع الحفاظ علي هوية الدولة العلمانية التي تحترم الدين.