بعدما قدم مجموعته القصصية الأولي "بائعة الحزن" عام 1998، ذهب إيهاب عبد الحميد في جولة بين الرواية فقدم لنا "عشاق خائبون" عام 2005، والترجمة فقدم لنا "قصة الجنس عبر التاريخ" عام 2008، وها هو إيهاب يعود إلي القصة القصيرة مرة أخري، بإصدار مجموعته الجديدة "قميص هاواي" عن دار "ميريت"، ليمزج فيها بين الخاص والعام والواقعي بالخيالي، ويسرد بنفس روائي واضح تفاصيل شخصيات شديدة الواقعية والتنوع، شخصيات هامشية ومركزية، مثقفين وأغنياء ومسجونين، وآخرون مأزومون، تركوا عالمهم إلي رحابة عالم خيالي، وعن عمله وثرثرته وعلاقته بالسياسة ورؤيته للمثقفين تحدث إيهاب عبد الحميد لروزاليوسف في هذا الحوار: هل حضور "الحشيش" بقوة في المجموعة نوع من الانسحاب من العالم ومواجهة سلبية لأزماته؟ وكيف تنظر لهذا العالم؟ وما أكثر ما يربكك ويحزنك فيه؟ - أظن أن أبطالي يضعون قدما في العالم وأخري خارجه، هم ليسوا منسحبين من العالم نهائيا، ليسوا مصابين بالشيزوفرينيا، لكنهم ليسوا متورطين في العالم أيضا إلي هذه الدرجة، ليسوا ممن يناضل من أجل إصلاح العالم أو الوصول إلي عالم أفضل، قصة "قميص هاواي" ربما تجسد هذه الفكرة، فكرة اللامنتمي، ولهذا أسميت المجموعة باسمها، رغم أن الناشر محمد هاشم كان له رأي آخر في اسم المجموعة، وفي "قميص هاواي" هناك شخص يهرب من العالم إلي عالم آخر، لا يحاول إصلاحه، وإنما يهرب إلي بديل، وعندما يأتيه البديل لا ينتمي إليه، وإنما يهرب منه إلي بديل آخر، وهكذا، وكأن العيب ليس في العالم، وإنما في علاقة الإنسان بالعالم، ربما كانت تلك الفكرة محورية في عدد من القصص. هذا يجعل ملاحظتك حول وجود "الحشيش" بكثرة حقيقية، فهذا المخدر له وظيفة تتواءم مع تلك الأسئلة، المواقف، أو بالأحري اللامواقف، الوجودية، أما عن نظرتي الشخصية إلي العالم الذي نعيش فيه، فهذا مما لا قبل لي علي الإجابة عنه، ربما يكون مشروعي في الكتابة بأكمله، بل وفي الحياة أيضا، هو محاولة للإجابة عن هذا السؤال. ألا تري أن الحديث عن السياسية في بعض قصص المجموعة كقصة "موتو" يبدو مقحما علي جو وموضوع القصص؟ وهل هذه موضوعات تشغلك علي المستوي الشخصي؟ - لا أري أنني أقحمت السياسة، السياسة ليست ظاهرة في المجموعة، ولا حتي في قصة "موتو"، لكن قناعتي الخاصة عن الكتابة السردية، تلك القناعة التي تطورت عبر سنوات، تسمح لي بالثرثرة أحيانا، سوف تجدين أصداء لذلك في قصص مثل "العطش" أو "الكاتبة" أو "مع كانجارو" أو "موتو"، لم أعد أنظر إلي القصة القصيرة باعتبارها فنا شديد التكثيف، لم أعد أنظر إلي السرد عموما باعتباره بناء دقيق الصنعة، بل حقلا رحبا فضفاضا يسمح ببعض الشطحات و"الرغي". لقد جاءت السياسة في هذه القصة في سياق "الرغي"، فالقصة كلها حوار بين اثنين، أما علي المستوي الشخصي، فالسياسة تشغلني بالطبع، لكن يشغلني الجانب الوجودي منها أكثر من الجانب اليومي، بمعني أن ما يشغلني أكثر تحليل الظواهر الكبيرة في السياسة، وعلاقتها بالعالم وتطوره، أما الأحداث اليومية فهي تشغلني كما تشغل الناس جميعا. في قصة "مؤتمر الكمة الإفريكية" لماذا كان الإلحاح علي اختلافنا كمصريين عن أبناء القارة الإفريقية؟ وهل تري أن الدعوات التي تدعو لبعد إفريقي لمصر كلام غير واقعي؟ - سأعود بك إلي نفس النقطة السابقة، الثرثرة في أمور تخصني أثناء الكتابة، أنا شخصيا كنت أنظر إلي نفسي باعتباري "أفريقي أسود"، وكانت إحدي أمنياتي أن أتجول في بلدان القارة وأن أعيش فيها، بل كدت أفعل ذلك، لكن السؤال عن علاقتي بالناس من حولي هو سؤال وجودي أيضا، بغض النظر عن مكاني، سواء كان في إفريقيا أم في أمريكا أم في الهند، وهذا هو ما كنت أتحدث عنه، أن ثرثرتك في أمورك الشخصية أحيانا ما تنتج لدي القارئ أفكارا موازية، تخرج من الشخصي إلي العام. هل تري تعارضًا بين الكتابة وبين الغني كما جاء في قصة "الكاتبة"؟ - لا يوجد تعارض بين الكتابة وأي شيء، في واقع الأمر لا يوجد تعارض بين أي شيء وأي شيء، وتلك حقيقة أثبتها الإنسان علي مدار تاريخ وجوده علي البسيطة، أثبت أنه كائن رائع في استيعابه للمتناقضات وفي تأقلمه مع مختلف الظروف، ربما كانت تلك الفكرة هي المسيطرة علي قبل كتابة القصة، لكن أثناء الكتابة انهال سيل آخر من الأفكار، جعلني أضع أمورا شخصية، وحوادث موازية، لتتحول إلي تلك الحالة شبه العبثية التي ظهرت لك، والتي تؤكد علي الحالة العاملة للمجموعة القصصية. هناك من ينتقد المثقفين ويراهم متناقضين ومنسحبين ومزيفين ويحملونهم مسئولية تراجع المجتمع، فكيف تري أنت المثقفين؟ - مرة أخري، المثقفون عندي ليس لديهم مميزات محددة أو عيوب محددة، المشكلة أننا نتوقع من المثقف أن يكون "مثاليا"، فعندما نجد مثقفا فقيرا لا يجد قوته نندهش، وعندما نجده غنيا نندهش، عندما يطلق فكرة رجعية نندهش، عندما يهتم بكرة القدم أكثر من أمسية شعرية نندهش، عندما نجده يختار طريق السلطة نندهش، وعندما نجده يتلوي في الحب ويهيم في الشوارع علي وجهه نندهش، المثقف الذي أكتب عنه لا يختلف من حيث الصفات عن بقية الناس، له فم وعينان وأذنان، وله عقل متخم بالأفكار المتناقضة أو المتكاملة، وله قلب مفعم بالمشاعر. في قصة "الكاتبة" وقصة "الكمة الإفريكية" تتحدث عن عملك الصحفي الذي أصابك بالقرف، فلماذا تراها مهنة تصيبك بالقرف؟ - تحدثت في بعض القصص عن عملي الصحفي، وتحدثت عن أمور شخصية أخري، أنا عملت بالصحافة لسنوات بدءا من مجلة "أون لاين" للكمبيوتر وانتهاء بجريدة "الدستور" مرورا بوكالة رويترز للأنباء وغيرها، الراوي في القصتين كان يتحدث عن إصابته بالقرف من الصحافة، لكن ذلك لا يعني أن تلك مشكلة "الكاتب"، فأنا استفدت كثيرا من الصحافة، لكن علي أي حال مشكلتي الأساسية مع الصحافة كانت أن الناس لا تحتاج لمعرفة كل هذا الكم من الأخبار، الصحافة (وذلك يشمل التلفزيون بصورة أكبر) وجدت لكي تنقل الأخبار الكبري، الأخبار المهمة في العالم، ثم تطورت وتطورت وتطورت حتي أصبحت تتحدث عن أتفه الأشياء،. ما تفعله الصحافة، بعيدا عن دورها الإيجابي الذي نعرفه جميعا، أنها تحشو عقول الناس بكم هائل من المعلومات، أحيانا ما أتساءل، ما هي قيمة أن أعرف أن تفجيرا انتحاريا وقع في الهند، أنا أقصد ماذا يفعل تراكم أخبار مثل تلك في نفسي؟ كيف تلعب تلك الأخبار في روحي؟ واقعيا أنا لن أفعل شيئا، وتعاطفي أو عدمه لن يفيد الهنود في شيء، لكن علي المستوي النفسي أنا أصبحت "مقلب زبالة" لملايين الأخبار المقرفة التي تنهال علينا من أصقاع الأرض المختلفة. لهذا السبب أو من هذه الزاوية يمكن أن ننظر إلي الصحافة باعتبارها مهنة مزعجة، لصاحبها ولمتلقيها. ما تفسيرك لاتجاه الروائيين مؤخرا لإصدار مجموعات قصصية بعد أعمال روائية ناجحة؟ - لا يدهشني التنقل بين الأجناس الأدبية المختلفة، بل ولا يدهشني التنقل بين الفنون المختلفة، فقد رأينا تشكيليين يكتبون سيرتهم أو أفكارا شغلتهم وعجزوا عن إخراجها في عمل فني مرئي، يجب أن يكون الإنسان حرا في التعبير، وللعلم أنا بدأت بمجموعة قصصية، تلتها رواية، ثم ترجمة، ثم مجموعة قصصية أخري، وأنا أعمل منذ سنوات علي رواية ضخمة.. ادعيلي!