في أي سياق يمكن وضع القمة الإيرانية - السورية - اللبنانية التي انعقدت في دمشق أخيرا وضمت الرئيس محمود أحمدي نجاد والرئيس بشار الأسد والأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله؟ الصورة، صورة قمة دمشق، ليست بعيدة عن نظرة المحور الإيراني - السوري إلي مستقبل لبنان والدور الذي يفترض به أن يلعبه بصفة كونه "ساحة" لا أكثر ولا أقلّ. لبنان امتداد للمحور الإيراني - السوري واللعب فيه مباح للمحور، خصوصا بعدما صار الجانب السوري يدرك أن عليه التعاطي مع الوجود الإيراني في لبنان بطريقة مختلفة تميل كفة الميزان فيها إلي طهران. بكلام أوضح، تغيرت موازين القوي بين الجانبين بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في فبراير من العام 2005 واضطرار النظام السوري إلي سحب قواته من لبنان في أبريل من العام نفسه لأسباب لا تخفي علي أحد. في مقدمة الأسباب الشارع السنّي اللبناني الذي كان معبأ، ولا يزال، في وجه النظام السوري وليس ضد الشعب السوري وسوريا كسوريا في طبيعة الحال. تغيرت المعادلة بين الجانبين الإيراني والسوري لسبب في غاية البساطة أن من ملأ الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب القوات السورية من لبنان هو ميليشيا "حزب الله" التي ليست سوي لواء في "الحرس الثوري الإيراني". في مرحلة معينة، كان ما بقي من الأجهزة السورية في لبنان مضطرا إلي التحرك تحت الجناح الإيراني. حتي لو تبدلت الصورة حاليا، في ضوء إعادة النظام السوري تجميع أوراقه في لبنان ورص صفوف أدواته والأحزاب التابعة لأجهزته، فإن هذا التبدل يظلّ في حدود معينة. ما لا يمكن تجاهله، علي سبيل المثال، أن امتلاك النائب ميشال عون لكتلة نيابية كبيرة عائد قبل كل شيء إلي "حزب الله" وليس إلي شعبية الجنرال في الأوساط المسيحية. ولا حاجة هنا إلي الدخول في التفاصيل التي يعرفها الصغير قبل الكبير. أكثر من ذلك، من أعاد العمل بسلاح الترهيب في "الساحة" اللبنانية هو إيران بالتفاهم مع النظام في سوريا والتعاون معه. حصل ذلك عن طريق افتعال حرب صيف العام 2006 التي أعادت لبنان سنوات إلي الخلف وعبر استكمال العدوان الإسرائيلي علي الوطن الصغير عندما عطل ما يسمي الاعتصام الحياة وسط بيروت وحال دون انتخاب رئيس للجمهورية. استمر الترهيب الذي يستهدف اللبنانيين الشرفاء عبر غزوة بيروت والجبل في مايو من العام 2008، وإذا كانت بيروت ما زالت تقاوم، علي الرغم من السلاح الميليشيوي الموجه إلي صدور مواطنيها، فإن الجبل تراجع. والدليل علي ذلك أن وليد جنبلاط عاد زعيما درزيا بعدما كان حتي الأمس القريب زعيما وطنيا له وجوده المسيحي والسني والشيعي وامتداداته علي كل الأراضي اللبنانية من أقصي الجنوب إلي أقصي الشمال... انعقدت قمة دمشق في ظل هذا التوازن الجديد الذي لا يعني في أي شكل أن سوريا، كنظام، لم تعد لاعبا أساسيا في لبنان، بمقدار ما تعني أمرين. الأول أن النفوذ السوري في لبنان يعتمد أكثر من أي وقت علي الوجود المسلح الإيراني الذي يحتاج بدوره إلي الممر السوري إلي الأراضي اللبنانية. أما الأمر الآخر، فيتمثل في كشف طبيعة العلاقة - الإيرانية السورية ومدي عمقها من جهة والرغبة المشتركة في التركيز علي لبنان واستخدامه لمآرب مرتبطة بالمصالح الإيرانية - السورية من جهة أخري. من أجل حماية هذه المصالح، في الأمكان السماح لإسرائيل بتدمير لبنان عن بكرة أبيه، كما في الأمكان خوض كل انواع الحروب معها... ما دام ذلك علي حساب لبنان وحتي آخر لبناني وآخر حجر في بيت قائم في الجنوب أو بيروت أو الجبل أو البقاع أو الشمال! صحيح أن الحسابات اللبنانية كانت في غاية الأهمية في القمة الثلاثية، خصوصا أن الهدف كان تأكيد وضع اليد الإيرانية - السورية علي لبنان، لكن الصحيح أيضا أنه كان هناك هدف آخر للقمة. بدا مطلوبا أكثر من أي وقت جس النبض الأمريكي. هناك، عجز واضح لدي الإدارة الأمريكية الحالية التي لم تستطع معالجة أي ملف من الملفات المرتبطة من قريب أو بعيد بالشرق الأوسط. كان أفضل دليل علي العجز طريقة تعاطي إدارة باراك أوباما مع إسرائيل. لماذا لا يختبر المحور الإيراني - السوري الإدارة في واشنطن ما دام ذلك علي حساب لبنان وما دام كل ما هو علي حساب لبنان لا يزعج إسرائيل؟ العجز الأمريكي واضح كل الوضوح من أفغانستان وباكستان إلي طريقة التعامل مع الصين المدافعة بقوة عن السياسة الإيرانية والرافضة لأي عقوبات تفرض علي إيران بسبب برنامجها النووي. فات المحور الإيراني - السوري أن لبنان بأكثريته الساحقة، بمسلميه ومسيحييه ليس تابعا لأحد. لبنان يقاوم الميليشيات المسلحة. لبنان لا ينطلي عليه الشعارات التي تتحدث عن وجود مقاومة علي أرضه. الموجود سلاح موجه إلي صدور اللبنانيين الشرفاء الذين يرفضون أن يكونوا أدوات لدي هذه الجهة أو تلك. في النهاية مع اقتراب موعد الذكري الخامسة لتظاهرة الرابع عشر من آذار، لابد من أن يرسخ في الأذهان أن دم رفيق الحريري هو الذي حرر لبنان وأن اللبناني العادي هو الذي نزل إلي الشارع وطالب بخروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية. لم تكن الولاياتالمتحدة تريد ذلك ولم تكن إسرائيل في وارد الضغط في هذا الاتجاه. لبنان لا يزال يقاوم المحاولات المتجددة لإعادة فرض الوصاية عليه ولبنان هو الذي يقاوم السلاح الميليشيوي والمذهبي الذي يستخدم لإعادة الوصاية. فات قمة دمشق والمشاركين فيها العامل اللبناني. فاتها وجود مقاومة حقيقية تنتمي إلي كل الطوائف والمذاهب والمناطق، مقاومة حضارية مرتبطة بثقافة الحياة قبل أي شيء آخر... مرتبطة بلبنان أوّلا