هناك من يريد للحراك المصري ألا يراوح مكانه، تصب لجنة التغيير الوطني التي تشكلت مؤخرًا في بيت البرادعي وبرئاسته، في نفس تصورات سابقاتها (كفاية - حركة عزيز صدقي - حزب الجبهة - بحث الإخوان عن منفذ داخل التجمع الوطني - أفراد من المثقفين وآخرون من الخارجين علي أحزابهم). تنحصر الصورة في الوقوف "محلك سر" عند نظرية "المفجّر"، إيقاظ وعي الجماهير بالاعتماد غالبًا علي شخص أو شعار أو حركة عارضة. لا أنكر عنصر الصدفة يرمي نفسه في طريق هبات مؤكدة للمصريين في السنوات الأخيرة من أجل تحسين أحوالهم، فلقد شاهد العقد الحالي الكثير من المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات والمطالبات وأيضًا الصدام داخل البرلمان. لكن يجب تمهيد الطريق أمام هذا الحراك المخلص ليحقق شيئًا ذا بال يلبّي لهذا الشعب الصبور حاجته، يحقق جزءًا ولو يسيرًا مما يتطلع إليه المصريون! سنلاحظ أن ثلاثة أحزاب رئيسية هي التجمع والوفد والناصري لم تحضر اجتماع البرادعي، وهناك مصريون عاديون كثيرون يقيمون الوضع. والبرادعي نفسه لم يقرر بعد النزول للشارع وفي رأيي أنه لم تتبلور لديه حتي الآن تكتيكات هذا النزول أو الأشكال الجماهيرية التي يمكن الاعتماد عليها. وللوهلة الأولي فإنه يحترم النظام ولا يرغب في تدبير شئونه بعيدًا عن الشرعية. هذه المسائل هي التي نتوقف عندها للتمحيص، لعلها وراء موقف الأحزاب والناس الذين من حقهم أن يتساءلوا ماذا يضيف البرادعي؟ ظهر والحياة السياسية في مصر لم تعد تحتمل نفس الأسلوب الذي اعتاد عليه نظام حكم استمر لأكثر من نصف قرن لم يغب خلالها الحراك المصري عن أهدافه الصحيحة من أجل الدولة المدنية الدستورية وقطع مسيرة القوانين الاستثنائية فتحركت الجماهير في الشوارع من خلال مظاهرات سلمية تطالب بالتغيير والإصلاح والبعض قد ركّز علي رفض ولاية أخري لمبارك وما يقال عن محاولات تمهيد البيئة لغير ذلك، كما وضح وعلا التنديد بمظاهر الفساد التي أوصلت الحالة المعيشية لمعظم أفراد الشعب إلي وضع لا يطاق! سمح هامش الحرية الذي اكتسبه الشعب المصري بكسر حاجز الخوف، إنها فرصة نادرة ليفكّر الجميع، الحزب الوطني وأحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والحركات التي ليس لها من مخطط إلا الاحتجاج والمصادمات واعتماد النقد بالقوة بديلا عن قوة النقد. كل هؤلاء لا يفعلون شيئًا تقريبًا سوي اختبار الحرية كشكل من أشكال النضال. التأكد من أن العجلة قد دارت ولن يستطيع أحد أن يوقفها (الجمود والخوف من التغيير)، أو يحرفها ويضللها ويضعها في خدمة شعارات الدولة الدينية (الإخوان). وأخيرًا وليس آخرًا يشوهها ويشلها ويعقمها الاستغراق والمبالغة في الاحتجاج من أجل الاحتجاج! الحصول علي التأييد الجماهيري كمجرد شرارات تقع في براميل بارود السخط. يصبح التحدي الحقيقي أمام قوي الإصلاح في مصر، يتمثل في دمج الجديد لموازنة المعادلة القديمة من أجل العمل علي تغيير سلمي عبر قواعد العمل الديمقراطي. بفتح الباب سلميا وبصورة تدريجية لمن وقفوا خارج الملعب بفعل فاعل، (73 ٪ ممن لا يشاركون أو يدلون بأصواتهم) ليحلوا مع الوقت وبشكل سلمي وديمقراطي محل من ارتدوا في ظل ما عرف باسم الشرعية الثورية، ملابس اللاعبين والحكام واستمروا في لعب مباراة روتينية ومملة لما يزيد علي عقود. ويبدو أن ما شهدته مصر منذ تعديل المادة 76 من الدستور، يعكس بصورة واضحة أزمة هيكلية ورثها النظام السياسي المصري تؤكد أن أداءه لازال محكوما بتوازنات بيروقراطية ضيقة، تغلب الصورة الأقرب لأداء مؤسسة حكومية تخاف من الجديد بل وتضع القيود أمامه. من هنا يأتي الاطمئنان لقانون الطوارئ والخوف والهرب من المنافسة والرغبة في التمرس وراء التشريعات المقيدة لحقوق الآخرين وعلي رأسها ما يكبل تطبيق المادة 76، سيثبت الزمن أن الحراك المصري، يعي أنه لا يبحث عن منقذ، وربما يري أن التعامل مع جمال مبارك فرصة أكثر واقعية! إن تعديل المادة 77 يخلي حياتنا السياسية من فكرة الرئيس مدي الحياة، تضيع مع الفكرة البائدة فرص حقيقية للتغيير والتجديد. تتخلص رغبتنا في تداول السلطة من معادلة الضعف الحالية، لا يتحول اشتغال جمال مبارك بالسياسة إلي توريث ولا رغبة البرادعي في المنافسة إلي حدث فريد!