إنه عالمنا المصري العالمي دكتور محمد البرادعي الذي يحظي الآن باهتمام إعلامي غير مسبوق نقول له بل ولغيره من علمائنا الأفذاذ في الداخل والخارج إننا نفاخر بك وبكم عالما وعلماء أفذاذا أجلاء لا رجال سياسة أو حتي الدخول في الاعيب ودهاليز السياسة. وبداية وحتي نتجنب عمليات التصنيف التي ابتلينا بها في هذا الزمن الرديء أو أننا نأخذ موقفا معينا من هذا العالم العالمي نشير إلي أننا كنا من بين مئات الملايين العرب والمسلمين الذين غمرتهم الفرحة ومشاعر الفخار بحصول هذا العالم الجليل علي جائزة نوبل بل ولقد سجلنا هذه الفرحة والفخار في مقال بجريدة الجمهورية بتاريخ 2005/12/21 بعنوان رأيناه معبرا عن الموقف بآثاره ودلالاته وأبعاده بالنسبة لمصر علي وجه الخصوص فكان العنوان "بالجائزة مصر الفائزة" قلنا يومها في هذا المقال إن حصوله علي هذه الجائزة يعد تتويجا لجهوده وتقديراً لعلمه وتميزه وانتصاراً لقيم الحق والعدل وانتصارا للعرب والمصريين وتكريما لمصر التاريخ والحضارة وهي بهذا أحق وأجدر وأن حصول البرادعي وغيره من الأفذاذ يفتح باب التفاؤل والأمل أمام الشباب واعتباره وغيره النموذج القدوة والمثال لأنهم علماء مصر الأجلاء وهذا وليس غيره هو مصدر الاعتزاز والافتخار بهم وسيظل هذا وحده موقفنا من عالمنا العالمي محمد البرادعي وغيره ممن حصلوا علي نوبل وغيرها من جوائز في الداخل أو الخارج لأنه وكما هو معروف أن العلم خاصة العلماء والأعظم قيمة استمرارية وخلودا فكلنا نعرف أو نسمع عن الفلاسفة الكبار والمخترعين العظام والأدباء والفنانين الذين يشكلون الوجدان نعرف هؤلاء أو نسمع عنهم سواء أكانوا في الماضي السحيق أو القريب وفي مصر وفي كل مكان في العالم في الوقت الذي قد لا نعرف فيه أو نسمع عن سياسيي اليونان في القديم مثلا وإنما نعرف ثلاثي الفلسفة اليونانية سقراط وأفلاطون وأرسطو ونعرف جاليليو وشكسبير ولا نعرف من كان حكام الأمم التي منها هؤلاء العلماء والأدباء بل ولدينا نعرف طه حسين ومشرفة وأم كلثوم وقد لا يعرف الكثير منا رؤساء الوزراء في تلك الفترة لا لشيء إلا لأن العلم والأدب والفن يخلع علي أهله الاستمرارية والخلود. أما أهل السياسة فقد لا نعرف منهم إلا من تبوأ الزعامة وكان لهم دورهم التاريخي في قيادة شعوبهم علي أي حال ليس هذا موضوعنا ولن نضيف جديداً في ميدان التحليلات لشيوع الفساد وغياب الضمائر والأخلاقيات ولمعاناة المواطنين وتزايد أعداد الفقراء وفقرهم فقرا مقابل تزايد الأغنياء غني وثراء وفسادا نقول ليس هذا قضيتنا أو موضوعنا وإنما الذي يهمنا في هذا المقال هو تأكيد أن العلماء العظام هم الاشد خلودا واستمرارية ولا ينازعهم في هذا سوي الزعامات السياسية الكبري لأن العلم والزعامة السياسية محصلة معاناة ونضال ولا يمكن أن يجتمع العلم مع السياسة فلكل طريقه وأساليبه.. العلم هو نتاج "الخلوة" والسياسة نتاج "الاندماج" والاختلاط بالجماهير كما أن لكل من العلم والسياسة ثقافته وكيفية تحصيله بل نري أن كلا منهما يسير في اتجاه يغاير الآخر وإن كان الهدف واحدا وهو الارتقاء بالشعوب والعمل علي نهضتها وتقدمها ولكن لا يمكن حسب تصورنا أن يجتمعا في شخص واحد فلم نسمع يوما ما وبقدر علمنا أن هناك عالماً أصبح زعيما سياسيا أو أن زعيما سياسيا كان في الأصل عالما حتي ولو حدث فإن أحدهما سوف يطغي وبالتأكيد علي الآخر وعندها سيفقد العالم الكثير من خصائصه وعطائه وسيفقد الزعيم السياسي الكثير من مهامه وتوجهاته. إن من أخص خصائص العلم والعالم الحيادية ومن أخص خصائص الزعيم السياسي تبني الاتجاهات والأيديولوجيات التي تتنافي مع خاصية الحيادية وربما كان هذا هو من أهم الأسباب التي تدفع بالعديد من الجامعات حرمان الأستاذ الجامعي من حق التمتع بالحرية الأكاديمية التي تشكل له حصانة خاصة من الاشتغال بالسياسة وإذا رغب في الاشتغال بها فإنه يتم التعامل معه كمواطن عادي ومن خلال الحريات العامة وليس الحرية الأكاديمية بل أن الجامعات الأمريكية تفرق في هذا بين من يشتغل خارج التخصص وداخله فله حق التمتع بالحرية الأكاديمية في مجال تخصصه فقط ويحرم من التمتع بهذا الحق إذا ما تناول موضوعات خارج تخصصه وهذا لا يعني بحال من الأحوال الانشغال بأمور الوطن أو الأدلاء بالأفكار والأراء وطرحها للنهوض بالمجتمع في مختلف القضايا القومية والوطنية وهذا يعني ببساطة شديدة ضرورة التفرقة بين الفكر السياسي وبين الفعل السياسي فمن حق العالم أن يفكر في السياسة ويدلي برأيه لكنه ليس من صالحه كعالم القيام بالفعل السياسي لأن هذا الفعل له ثقافته ومهاماته وأساليبه بل والاعيبه وكلها تتنافي مع خصائص وقيم العلم وشيم العلماء. من هذا المنطلق نناشد عالمنا العالمي محمد البرادعي وغيره من علمائنا الأفذاذ الابتعاد عن الاشتغال أو بتعبير أدق الفعل السياسي والبحث عن مجالات ترتبط بما هو فيه متميز وما به أصبح عالما يشار إليه بالبنان كما أننا نربأ به من أن يتاجر البعض بسمعته ومكانته في القلوب ليس فقط في مصر وإنما في كل بلدان العالم. باختصار إن للسياسة رجالها وألاعيبها ونحن علي ثقة باعتبارك عالما عالميا أبعد ما تكون من الدخول في هذه اللعبة التي قد تؤثر علي مكانتك في القلوب وعلي عطاء علمي يمكن أن تقوم به ومصر في أشد الحاجة لمثل هذا العطاء في عصر لا يعترف إلا بالأقوياء علميا فالعلم للمعرفة باتت وحدها وليس غيرها القوة ومصدر النهضة والتقدم والله ومصر من وراء القصد.