عندما تطفو علي السطح أي مشكلة تحمل صبغة طائفية، تتسارع الأقلام للدعوة إلي ضرورة تطوير الخطاب الديني باعتباره الخطاب الأكثر تأثيرا علي مختلف شرائح المجتمع، وتستمر هذه الدعوة أيامًا قليلة ثم تنتهي ويبقي الوضع علي ما هو عليه. ومؤخرا دعا الرئيس مبارك في خطابه بمناسبة عيد الشرطة، كما جدد سيادته الدعوة مرة ثانية من خلال خطابه الذي وجهه إلي الأمة الإسلامية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإسلامي الذي نظمه الأسبوع الماضي المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، كلا من المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية، إلي تجديد لغة الخطاب الديني الصادر عنهما، بما يتواكب ومتطلبات العصر الحديث، والظروف الإقليمية والمحلية التي نعيش فيها اليوم. كما وجه أيضا نفس الخطاب إلي المؤسسة الإعلامية بجميع أشكالها وصورها. وقد تناولت الكثير من الأقلام هذه الدعوة بالكثير من التوجهات والمقترحات، علها تجد صدي لدي المؤسستين. والحقيقة أن كلا من الخطابين الديني والإعلامي أصبحا وجهين لعملة واحدة للكثير من الأحداث التي مرت بها بلادنا خلال السنوات القليلة الماضية، والتي كان آخرها أحداث نجع حمادي. ولنبدأ بالخطاب الديني الإسلامي والمسيحي، وهو الخطاب الأكثر شيوعا وتفاعلا مع نبض الشارع، فنجد أنه علي الرغم من عدم شيوع أي دراسات علمية دينية، أو اجتماعية، أو سياسية في هذا الموضوع، إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما تبعها من رد فعل أمريكي، جعل الخطاب الديني يشغل مساحة كبيرة من اهتمامات العديد من كبريات مراكز الأبحاث والدراسات الفكرية. وفي هذا السياق حاولت الولاياتالمتحدة، وبعض دول الغرب تديين الصراع الدولي، وصبغ العلاقة الدولية بين الشرق والغرب، وبين الغرب والآخر بالصبغة الدينية، وبالفعل نجحوا في ذلك في الكثير من الأحداث التي جرت في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر كما في العراق وأفغانستان وفلسطين والسودان وغيرها. ولو تأملنا في خطاب الولاياتالمتحدة الصادر علي لسان الرئيس السابق جورج بوش الابن، نجد أنه كان دائما ما يخلط بين الثقافة والحضارة من جهة، وبين الدين والحضارة من جهة أخري، وبخاصة فيما يتعلق بالمفاهيم. فقد حاول علي سبيل المثال أن يعيد إلي الأذهان مفهومي الشرق والغرب قديما، أيضا حاول أن يفرق في خطابه ما بين المسيحية في الغرب، والمسيحية والإسلام في الشرق وجاء الرئيس الحالي باراك أوباما بخطاب جديد علي عكس خطاب سلفه، محاولا التقريب ما بين الشرق والغرب، وهو ما حاول نقله إلي العالم من خلال خطابه الذي وجهه من القاهرة إلي العالم الإسلامي. لذلك لم يعد الخطاب الديني مقصورًا علي رجال الدين فقط بحكم تخصصهم، بل أصبح الكل يتحدث باسم الدين، ففي الماضي كان الخطاب الديني مقصورًا علي دور العبادة، ثم امتد بعض الشيء إلي بعض وسائل الإعلام المقروءة صحف ومطبوعات، ثم بدأ يخطو نحو المسموعة من خلال استخدام شرائط الكاسيت، ومؤخرا انتقل إلي الفضائيات والتي أصبحت تعد أخطر وسيلة إعلامية اليوم، باعتبارها زائرا يوميا داخل كل بيت مصري تقريبا. لا تفرق بين النجع والحكر، بين القرية والمدينة، بين المثقف وغير المثقف، الكل يتلقي الاشارة ويترجمها عقله كيفما يشاء، وبالتوازي مع خطاب الفضائيات هناك الخطاب الأخطر، وهو الخطاب الإلكتروني من خلال الإنترنت، والذي يمس واحدة من أخطر شرائح المجتمع، وهي شريحة الشباب. نحن اليوم أحوج ما نكون إلي خطاب ديني يقود إلي التسامح والمحبة، إلي التعددية وقبول الآخر، خطاب يدعو إلي العمل المشترك، إلي التنمية، إلي الانفتاح علي الثقافات الأخري بدون خوف، وفي إطار عاداتنا وتقاليدنا المستمدة من إيماننا المشترك بإله واحد. علينا أن نبتعد بلغة الخطاب عن التهديد والوعيد والخوف من المستقبل. من هنا تكمن خطورة كل من الخطابين الديني والإعلامي علي التماسك الاجتماعي ما بين أبناء الوطن الواحد، والذي يظهر جليا عندما يواجه الوطن بعض المحن أو الأزمات، وبخاصة عندما يكون هذا الخطر خارجيا، فتتوحد الأمة وتقوي روابطها دفاعا عن وطنها الذي يضم الجميع دون تمييز أو تفرقة، فوحدة الوطن هي الغاية، وهي الوسيلة للتماسك والتضامن. ختاما: لقد كانت مصر، من أوائل دول العالم التي عملت علي تأسيس الدولة المدنية الحديثة منذ عهد محمد علي، وظلت علي هذا الحال حتي يومنا هذا، مؤكدة علي حق الفرد في اختيار دينه وعقيدته باعتبار أن الدين علاقة شخصية تجمع ما بين الإنسان والله، وهو ما أكد عليه الدستور المصري، مما زاد من قوة التماسك الاجتماعي في مصر علي مدي التاريخ. لذلك علينا أن نعمل جميعا.. كل في موقعه علي تفعيل هذا التماسك الاجتماعي، وأن نتضامن معا كمؤسسات مجتمع مدني، ومؤسسات رسمية وحكومية وخاصة، من أجل صالح مصر، ودون تدخل من أي جهة كانت، فمصر قادرة بأبنائها علي مختلف أشكالهم الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية، أن تواجه أي مشكلات أو تحديات يمكن أن تواجهها.