المؤتمر الذي أعلنت عنه أربعة أحزاب معارضة، هي: الوفد والتجمع والناصري والجبهة، والمقرر عقده في مقر حزب الوفد لثلاثة أيام، تبدأ يوم 13 مارس المقبل، يفرض علينا وقفة متعمقة، من حيث العنوان والأطراف والموضوع (متضمنًا الهدف).. والتوقيت. وأما العنوان فهو (الإصلاح الدستوري)، وهو عبارة لم تفصح عن محتواها، في البيان المنشور في جريدة الوفد بالأمس، بعد أن اتفق المنظمون علي عقد المؤتمر في اجتماع تمهيدي بحزب التجمع يوم الاثنين الماضي، ومن ثم فإن هذا ينلقنا إلي لب الموضوع.. وقالت (الوفد) إن المؤتمر سوف يدور حول ثلاثة محاور: تأكيد الطبيعة الجمهورية للنظام إعادة التوازن بين السلطات ضمانات نزاهة الانتخابات العامة. من الناحية المبدئية قد يكون عنوان (الإصلاح الدستوري) مخالفًا لقناعاتي.. من حيث إني أري أن الواجب هو (التطوير الدستوري) وليس (الإصلاح) فهي كلمة تستخدم وقد تعبر عن وضع قائم مناقض لمعني الإصلاح. ومن الناحية الشكلية فإنني أري أن المحور الثالث، أي (ضمانات نزاهة الانتخابات)، وهو ما أؤكد عليه وأدعو إليه، أري أنه يخرج عن عنوان المؤتمر.. وكان لابد له من حدث مستقل.. باعتبار أن (التطوير الدستوري) يستغرق وقتًا.. لابد أنه سوف يتجاوز موعد الانتخابات المقبلة.. فإذا ما أرادت الأحزاب المشاركة أن تطالب بضمانات لنزاهة الانتخابات فإن ذلك يقتضي التحرك السياسي الأقرب وليس في الاتجاه الدستوري الأبعد زمنيا. ما علينا، ولكن من المهم أن نؤكد مجددًا علي أنه لا يمكن لحياة ديمقراطية سليمة أن تعبر عن المجتمع بصورة حقيقية بدون ضمان نزاهة الانتخابات، وأعتقد جازمًا أن تلك هي واحدة من أهم ثوابت التطوير في الحزب الحاكم، وإلا ما اتجه إلي تغيير عدد من أمناء المحافظات كما جري مؤخرًا.. فلو كان لا يريد انتخابات نزيهة ما شغل باله بتطوير تنظيمي عاجل لكي يسد عددًا من ثغراته المكتشفة في بنيته. وإذا كنت اختلف مع الأولويات التي تنشغل بها أحزاب المعارضة، من حيث إنني أري أنه كان عليها أن تهتم في هذا المؤتمر الذي تنظمه قريبًا بملفات اجتماعية واقتصادية تمس شئون الناس ومستوي معيشتهم.. علي اعتبار أن الرأي العام الحقيقي لا تشغله المسائل الدستورية بالقدر الذي تتخيله النخبة السياسية.. فإن من الواجب أن نحيي الأحزاب الأربعة علي توجهها.. وعلي إصرارها علي أن تناقش ما تعتقد أنه أولوية بعيدًا عن صخب شتام.. وجدل سوفسطائي.. وضجيج لا علاقة له بالسياسة. وللتحية أبعاد أخري، إذ وفق ما أفهم، فإن محور (التأكيد علي الطبيعة الجمهورية للنظام)، هو اختيار من قبل تلك الأحزاب المشاركة علي أن تباعد بين نفسها وبين أن تشغل الناس بحديث التوريث الذي ورطت فيه مجموعة من الاتجاهات المجتمع منذ سنوات.. وراحت تردده كما لو أنه (علكة) تمضغها طيلة الوقت.. وكما لو أنه (عصابة سوداء) تسد النور عن عينيها.. فراحت تتخبط وتعتقد أن عليها أن تخوض غمار النضال الزائف من أجل منع ما سمته بالتوريث. الطبيعة الجمهورية للنظام لا يختلف عليها أحد عاقل، وفي عديد من خطاباته فإن الرئيس أكد عليها، وسجل له التاريخ أنه وضعها هدفًا للتعديلات الدستورية الأخيرة، مؤكدًا علي ترسيخها، تلك الطبيعة التي تنبني علي انتخابات حرة بين متنافسين متساويين في الفرص، وفق دستور شرعي، وفي إطار نظام موسسي، وقانون محترم. إن الأحزاب الأربعة حين تتجه إلي هذا المنحي، فإنها تسعي إلي مقصد بعيد.. أو لنقل متوسط المدي، إذ تدرك يقينا، وبالمخالفة للاتجاهات الفوضوية أو الداعية للفوضي، أن ما سوف تدعو إليه اختلفنا أو اتفقنا معه لن يحصل علي الفترة الزمنية الملائمة لتحقيقه قبل الانتخابات المقبلة (رئاسيا)، فلا الوقت يسمح، ولا يمكن لجدول أعمال السياسة بما فيه من انتخابات ثلاثة متتالية أن يتحمله.. في ضوء أن أي تعديل دستوري يحتاج إلي فترة لاتقل عن ستة أشهر.. وبما في ذلك عملية الاستفتاء عليه وبجميع الخطوات القانونية والتجهيز السياسي.. ومن ثم فإن تلك الأحزاب تدرك أن ما سوف تطلبه لن يكتب له التحقق عملياً إلا بعد الانتخابات التالية. نأتي إلي مسألة الأطراف المشاركة في المؤتمر، أي الأحزاب الأربعة الداعية إليه، والتي رأت في نفسها أنها الأجدر بأن تفعل ذلك.. بدون أن تضم إليها أحزابًا أخري من المعارضة.. وهي حرة في ذلك.. وأعتقد أن علي الأحزاب الأخري لكي تكون بتمثيل لها في مثل تلك المؤتمرات أن تمضي قدماً في ترسيخ ذاتها علي الساحة وإنهاء مشكلاتها القانونية وصراعاتها الداخلية.. فعلي الأقل الأحزاب الأربعة المجتمعة في ذلك المؤتمر لديها الحد المقبول من التماسك.. أيا ما كان اختلافنا معها. وقد أتفهم أن توجه الدعوة وفق ما قالت صحيفة الوفد إلي عدد من الخبراء القانونيين والأكاديميين، فالأحزاب المشاركة لاتريد أن تكون بمعزل عن غيرها من قطاعات النخبة، بل وقد يكون مؤتمرها لبنة لتقارب المواقف وصناعة بناء له شكل مؤسسي من نوع ما.. يلئم التفتيت السياسي علي الساحة الذي لاتربح منه إلا قوي الفوضي.. ولكني بالتأكيد لن أتفهم أن يكون المؤتمر ساحة لمن لايقرون الدستور.. أو لمن يتعالون عليه.. أو يريدون مصر دولة دينية.. أو يرغبون في أن تبدأ من عند مرحلة ما قبل 1952 وفق ما تصاعدت بعض الدعوات مؤخراً.. أو من يتعالون علي الأحزاب نفسها ولا يرون لها قيمة علي الساحة. أما من ناحية التوقيت، فإن الموعد الذي اختارته الأحزاب الأربعة يبدو مهما جداً، في ضوء أنه يسبق الانتخابات المتتالية في عامي 2010و2011، برلمانيا ثم رئاسيا، وفي ضوء أن الساحة السياسية قد عجت في خلال الفترة الأخيرة بغير المؤسسين (من مؤسسي)، وحان وقت العودة للقوي المدنية القانونية المنظمة، وفي ضوء أن يعيد الحيوية للسياسة.. فكثير مما تمتلئ به الساحة ليس سياسة وإنما مجرد كلام تنشغل به البرامج والصحف.. ولا علاقة له بالسياسة. ونكمل غداً. [email protected] www.abkamal.net