سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 29-9-2024 مع بداية التعاملات الصباحية    تصعيد مكثف.. تجدد الغارات الإسرائيلية على مدينة صور اللبنانية    طائرات الاحتلال تشن غارة جوية على مدينة الهرمل شرقي لبنان    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 29-9-2024    مصرع شخص صدمته سيارة نقل في سوهاج    "أسفة بعتك بأرخص تمن".. شيرين عبد الوهاب تعتذر لشقيقها    وزير الخارجية يوجه بسرعة إنهاء الإجراءات لاسترداد القطع الآثرية من الخارج    انفجارات عنيفة تهز مدينة ديرالزور شرق سوريا    الجيش الأردني: سقوط صاروخ من نوع غراد في منطقة مفتوحة    «الأهلاوية قاعدين مستنينك دلوقتي».. عمرو أديب يوجه رسالة ل ناصر منسي (فيديو)    شريف عبد الفضيل: «الغرور والاستهتار» وراء خسارة الأهلي السوبر الإفريقي    إصابة ناهد السباعي بكدمات وجروح بالغة بسبب «بنات الباشا» (صور)    أصالة ل ريهام عبدالغور: انتي وفيّه بزمن فيه الوفا وين نلاقيه.. ما القصة؟    ضبط 1100 كرتونة تمر منتهية الصلاحية في حملة تموينية بالبحيرة    الفيفا يعلن عن المدن التي ستستضيف نهائيات كأس العالم للأندية    أمير عزمي: بنتايك مفاجأة الزمالك..والجمهور كلمة السر في التتويج بالسوبر الإفريقي    رئيس موازنة النواب: نسب الفقر لم تنخفض رغم ضخ المليارات!    عاجل| «هاشم صفي الدين» بين الولاء لإيران وتحديات الداخل هل يكون خليفة نصر الله المنتظر؟    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    بعد اغتيال نصر الله.. كيف تكون تحركات يحيى السنوار في غزة؟    أحدث ظهور ل يوسف الشريف في مباراة الأهلي والزمالك (صورة)    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    نتنياهو: لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل    سحر مؤمن زكريا يصل إلي النائب العام.. القصة الكاملة من «تُرب البساتين» للأزهر    أول تعليق من محمد عواد على احتفالات رامي ربيعة وعمر كمال (فيديو)    "حط التليفون بالحمام".. ضبط عامل في إحدى الكافيهات بطنطا لتصويره السيدات    حكاية أخر الليل.. ماذا جرى مع "عبده الصعيدي" بعد عقيقة ابنته في كعابيش؟    مصر توجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا بسبب سد النهضة    الصحة اللبنانية: سقوط 1030 شهيدًا و6358 إصابة في العدوان الإسرائيلي منذ 19 سبتمبر    الأوراق المطلوبة لتغيير محل الإقامة في بطاقة الرقم القومي.. احذر 5 غرامات في التأخير    القوى العاملة بالنواب: يوجد 700 حكم يخص ملف قانون الإيجار القديم    حدث في منتصف الليل| السيسي يؤكد دعم مصر الكامل للبنان.. والإسكان تبدأ حجز هذه الشقق ب 6 أكتوبر    أسعار السيارات هل ستنخفض بالفترة المقبلة..الشعبة تعلن المفاجأة    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    يوسف الشريف يبدأ تصوير فيلم ديربى الموت من داخل مباراة كأس السوبر.. صورة    نشرة التوك شو| أصداء اغتيال حسن نصر الله.. وعودة العمل بقانون أحكام البناء لعام 2008    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    في عطلة الصاغة.. تعرف على أسعار الذهب الآن وعيار 21 اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    قفزة كبيرة في سعر طن الحديد الاستثمارى وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    تعرف على سعر السمك والكابوريا بالأسواق اليوم الأحد 29 سبتمبر 2027    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    ضبط 27 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم مخدرات ب12 مليون جنيه    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    كيف تصلي المرأة في الأماكن العامَّة؟.. 6 ضوابط شرعية يجب أن تعرفها    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد القافلة الطبية الأولى لقرية النصر    دعاء لأهل لبنان.. «اللهم إنا نستودعك رجالها ونساءها وشبابها»    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللحظات الفارقة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 22 - 02 - 2010

اللحظات الفارقة في تاريخ الشرق الأوسط.. يبدأ هيكل موضوعه بقوله "إحنا فات علينا في العصر الحديث في واقع الأمر ثلاث لحظات فارقة كان ممكن فيها الأمة تعمل اللي تعمله.." (النص).. فماذا أقول؟
يصنّف هيكل اللحظات التاريخية الثلاث في تاريخ الشرق الأوسط إبان القرن العشرين بكل ما نتج ما بعد الحرب العالمية الأولي وهي اللحظة الأولي، ثم ما نتج ما بعد الحرب العالمية الثانية من الحرب الباردة وهي اللحظة الفارقة الثانية، ثم نهاية الحرب الباردة في السبعينيات وهي اللحظة الفارقة الثالثة.. دعوني أحلل هذا "الموضوع" الذي بدأ هيكل يلوك فيه وقد أخذه مني بوضوح عندما قدمته تاريخيا في تقسيم الأجيال، خصوصا من كتابي "تفكيك هيكل" (نشر عام 2000) من دون أن يشير لا من قريب ولا بعيد إلي أي مرجع.. رجع هيكل بعد اختلاسه الأفكار التي طرحتها عليه في كتابي ضد أطروحاته، ليركّب عليها من عندياته الأمثلة الفاشلة التي لا تتفق وسياقات الأطروحة التاريخية فيما يسمي بتحقيب التاريخ العربي والإسلامي.. إنه أخذ مني وباع علي، ولكن من دون أن يحدد ما الذي يريد الوصول إليه.. إذ دوما ما يترك ما يقوله من دون أي نتائج عامة يريد الوصول إليها، أو أي استنتاجات يستنبطها بنفسه ليقدمها ضمن سياق الآراء التي يمكنه تقديمها.
البؤس التاريخي
ولما كانت الأطروحة التي قدمتها منذ زمن طويل تقسم تاريخنا المعاصر إلي ثلاثة أجيال يبدأ كل جيل بلحظة تاريخية فارقة، فإن هيكل غاب عنه منطلق تحقيب المرحلة، وجاء ليسوّق بضاعته التي ما انفك يرددها علي الناس.. بحيث أثار مللهم وضجرهم كثيرا.. ولقد دخل الموضوع بالنص التالي وهو يتساءل: كيف وصلنا نحن إلي هذه اللحظة البائسة من حياتنا العربية؟ قائلا: "أنا السؤال اللي وقفت عنده المرة اللي فاتت هو إحنا كيف وصلنا نحن إلي هذه اللحظة عايز أقول إيه؟ عايز أقول إنه في حياة الأمم والشعوب لحظات فارقة تستطيع فيها هذه الشعوب أن تمسك مصائرها وأن تعقلن الفوضي الطبيعية في الأمور طبيعة التاريخ تدفق تيارات اقتصادية عسكرية.. دول طالبة مصالح دول غازية.. بطالة موارد تجارة اللي إحنا عاوزينه لكن حركة التاريخ المتدفقة عادة فوضي ودور البشر ودور الإدارة السياسية في التعامل مع هذه الفوضي هي محاولة عقلنة هذه الفوضي حنلاقي باستمرار انه الأمم في حياتها لحظات فارقة إذا تنبهت لها وإذا استطاعت انها تستعمل هذه اللحظات يبقي قيادات هذه الأمم النخب في هذه الأمم مهمتها الإدارة السياسية والإدارة السياسية بمعني عقلنة التطورات الجارية عقلنة التيارات المتدافعة عقلنة الأحداث المتصادمة عقلنة القوي إلي آخره.. (نص هيكل) ".
هنا يبدأ القول كي يضع مسئولية البؤس التاريخي الذي يعيشه العالم العربي علي كل الأجيال السابقة، من دون أن يحدد درجة الخطأ أين تكمن.. ومن دون أن يشخّص درجة الصواب أين كانت! ومن دون أن يحدد العوامل الأساسية للنهوض أو الانحطاط.. إنه يحاول أن يجيب عن سؤال يفكر فيه اليوم وبعد التي واللتيا: كيف وصلنا إلي هذه اللحظة اليوم؟ نجده يحاول الإجابة عن السؤال بشكل تهويمي كما قرأنا قبل قليل.. من يعقلن الفوضي الطبيعية يا هيكل؟ هل كانت إرادة الشعوب وتفكيرها واحدة علي مدي الزمن؟ مصالح دول غازية إزاء دور الإدارة السياسية في التعامل مع هذه الفوضي.. ماذا تريد أن تقول؟ من يحاول عقلنة الفوضي؟ اجب.. افصح! لحظات فارقة في حياة الأمم، وأعتقد أن العرب قد انتبهوا لها من حين لآخر وتطالب بالإدارة السياسية، وتعرّفها لنا بأنها عقلنة التطورات الجارية.. عقلنة الأحداث المتصادمة.. عقلنة القوي!! من تخاطب؟ هل تخاطب قيادات الإدارات السياسية؟ أم تخاطب الناس العاديين؟ هل تخاطب الحكام والقوي الحاكمة؟ كنت أتمني أن تقارن نماذج عقلانية في تاريخنا المعاصر بنماذج متهورة وفوضوية علي امتداد القرن العشرين.. كنت أتمني ألا تأتي كما سنري بعد قليل لأسماء ثلاثة ملوك، وجعلت خراب الدنيا علي أيديهم، من دون أن تذكر أي اسم من الحكام شبه المجانين الذين حكموا العالم العربي.. من دون أن تذكر أي حاكم جعل الأوهام حقائق أمام العرب وتعامل معها علي أنها مسلّمات، وصعد بهم يهيم في السماء، فإذا به يسقط ومعه يسقطون.. دون أن تري ما صنعته الأيديولوجيات المستوردة بتفكير أجيالنا.. أي عقلنة للفوضي التي زرعها ضباط أحرار جاءوا من ثكنات عسكرية ليحكموا مجتمعاتنا بلا مؤسسات علي امتداد زمن طويل؟ أي عقلنة للفوضي التي كرستها أحزاب شوفينية مخادعة؟ أي عقلنة للفوضي التي نشرتها منظمات إرهابية وعناصر ثورية.. لماذا لم تتكلم عنها؟ لماذا لذت بالصمت عن أجهزة مخابرات عربية لدول بوليسية، وقد جنت تلك الأجهزة علي كل المعارضين السياسيين؟ لماذا قتل (او: انتحر) البعض من شخصيات الماضي القريب، وقد توضّحت علاقاتهم بأجهزة مخابرات داخلية وأجنبية؟
اللحظة الفارقة الأولي
يقول هيكل ويعيد ويكرر (واعتذر من القراء الكرام من تكرار هذه الموضوعات التي يبدو أنها قد قضت مضجع الرجل منذ الهوس الثوري الذي عاشه قبل خمسين سنة).. دعوه يعيد ويكرر قائلا: "اللحظة الفارقة الأولي في اعتقادي هي اللحظة الفارقة التي تلت الحرب العالمية الأولي، الحرب العالمية الأولي حصل فيها إنه والله الإطار الجامع للعالم العربي كان هو الخلافة العثمانية والخلافة العثمانية انتهت فيه دول كانت خرجت من الخلافة لكن وفيه دول كانت بعدت عن الخلافة وفيه دول كانت لا تزال تابعة للخلافة وكانت فيه دول بتطالب بالتبعية للخلافة بالعودة للخلافة ثانية لكن في الحرب العالمية الأولي انتهت الخلافة وبدأ الإرث الامبراطوري للخلافة العثمانية بدأ يوزَّع علي بريطانيا وفرنسا.. " (نص هيكل).
أرد عليك: صحيح، إنك أخذت الفكرة من صاحبك الذي فكك نصوصك خلسة، ولكن بنيت عليها أخطاءك.. ذلك أنك تسميها الخلافة العثمانية وهي دولة السلطنة العثمانية كما أعيد وأكرر دومًا، إذ إن مشروع الخلافة العثمانية الذي تبناه السلطان عبدالحميد الثاني واجه ردود فعل معاكسة، وهي ردود فعل عربية وليست أجنبية.. تلك التي سميتها ب"الخلافة" لم تكن إطارًا جامعًا للعالم العربي إبان الحرب الأولي وما بعدها! إنك تتكلم عن أشياء لا وجود لها في تاريخنا! السلطان العثماني الذي تلقب بالخليفة ضمن مشروع عبدالحميد لم يكن إلا رمزًا منذ العام 1909 عندما سيطر الاتحاديون علي الحكم العثماني ونفوا السلطان عبدالحميد الثاني، ولم يكن من بعده أحد من السلاطين له كلمته وسطوته! أنت تتحدث عما آل إليه الأمر بعد 1914- 1918، أي أثناء وما بعد الحرب الأولي.. كل شيء قد تغير يا هيكل.. ولم يبق لا خلافة عثمانية ولا سلطنة.. البريطانيون يدخلون بغداد والقدس في سنة 1917، والثورة العربية تمتد نحو بلاد الشام والملك فؤاد يعلن نفسه ملكًا عام 1917.. أي إطار جامع تتحدث عنه؟ أتمني أن تكون دقيقًا في كتابة التاريخ صحفيا، أو حكايته تليفزيونيا.
ثلاث أسر حاكمة تقض المضاجع!
تستطرد قائلا: " فإحنا كنا قدام لحظة فارقة وكان فيه مطالب وطنية سابقة في مصر وفي سوريا وفي العراق إلي آخره حصل في هذه الفترة إنه كان هناك ثلاث أسر راغبة في إرث الخلافة وبنفس المنطق، أسرة محمد علي مستندة إلي ظل مآذن الأزهر موجودة وراها، الهاشميين مستندين إلي نسب لرسول الله صلي الله عليه وسلم، السعوديين مستندين إلي واحد إنهم في شبه الجزيرة العربية ثم بعد كده في مكة والأرض المقدسة وبعد كده جه البترول فأنا قدام ثلاث أسر عملت إيه؟ متقدرش تقف قدام الدول القادمة المنتدبة اللي ورثت الخلافة الإسلامية سابت لها الخلافة واحتفظت بالإسلام سابت السلطة واحتفظت بشكل السلطة، أخدت هي الهيلمان والصولجان وسابت الأرض والحكم والسلطة إلي حد ما للقوي القادمة في الانتداب وعملوا شبه صفقة عمامة الخليفة العثماني وسيفه عند سواء الملك فؤاد أو الملك عبدالعزيز أو الشريف حسين وأولاده فيما بعد وأما السلطة الحقيقية قد فضلت للإنجليز أو الفرنساويين وده طبيعي كان طبيعي جدا لأنه لا يمكن تصور إنه من نظام خلافة عثماني جامع اسمي أو فعلي في بعض البلدان العربية تنتهي ثم ندخل إلي وضع والله ألاقي فيه ناس بيتكلموا عن الدستور وعن القانون وعن فيه ناس.. "(نص هيكل).
هنا أرد عليك: تغيب قليلا أو كثيرا، ثم تعود إلي الأسر الثلاث والرءوس الثلاثة والبلدان الثلاثة.. وكأن هؤلاء الثلاث قد سببوا مشكلات الأمة العربية.. وسببوا لها كل الفواجع والنكبات والهزائم.. دعني أحاكم النص قليلاً ثم أرجع لك ثانية. ان المطالبة بالخلافة التي كانت رمزا دينيا لم تكن إلا مجرد حالة من إضفاء الشرعية.. فالكل يعلم، أن الخلافة ماتت فعليا منذ سقوط العباسيين في بغداد وسقوط الفاطميين في القاهرة.. وأن بقاء الخلافة في القاهرة في ظل المماليك لم يكن إلا رمزًا تاريخيا للمشروعية الدينية لكل الدول التي استمدت منها الاعتراف. ما معني أنها أخذت الهيلمان والصولجان وسابت الأرض والحكم والسلطة إلي حد ما للقوي القادمة في الانتداب؟ هل هذا كلام عقلاء عندما تستهين بأدوار تاريخية كان لها رجالها ونخبها السياسية، خصوصا في مصر والعراق وبلاد الشام؟ لقد اعتبر الأعداء قبل الأصدقاء والخصماء قبل الإخوة في العروبة أن رجالات الأمس العرب علي أيام الانتدابين البريطاني والفرنسي كانوا رجال دولة من الطراز الأول.. وإذا كان الشريف حسين قد فشل في مشروعه العربي نتيجة عناده وإصراره علي إرادته، فلقد نجح أولاده في تأسيس كيانات من العدم.. وإذا كنت تعيب علي فؤاد الأول خضوعه للبريطانيين، فلم يكن وحده في الميدان، إذ كانت مرحلته تعج باسماء سياسيين كبار كانوا وراء نهضة مصر إبان عهده.. وإذا كنت تعيب علي عبدالعزيز آل السعود جملة من المعايب، فيكفي أنه نجح في تكوين دولة ووحد أقاليم وقضي علي سلالات حاكمة في الحجاز وحائل وعسير.. الخ
خطوط رسمتها ثلاث أسر حاكمة في التاريخ
وتبقي يا هيكل تنال من هؤلاء الذين لا أدري ما الذي فعلوه بك حتي تعلن حربك المجنونة ضدهم.. لنستمع إلي قولك التالي:"بدري لسه كان لكن في كل الأحوال إحنا لقينا إنه والله فيه قسمة للسلطة لكن المطالب الشعبية لا تزال بتعبر عن نفسها سعد زغلول في مصر مثلا بيتكلم دستور لكن الملك فؤاد بيتكلم ذهنه في خلافة وفي الشام تقريبا ناس بتروح للشريف حسين وهم بيتكلموا في حرية واستقلال إلي آخره والشريف حسين وأبناؤه بيتكلموا علي وضع ملكي أو شبه ملكي، إخونا اللي راحوا للملك عبدالعزيز وهو شخصية تاريخية مهمة بالتأكيد واحد زي أمين الريحاني لما راح شافه في ذلك الوقت بيتفرج أو بيشوف أو بيكتب علي شخصية ضخمة جدا لكنه بتتكلم علي زي ما روزفلت وصفه فيما بعد وقال عليه المتوحش النبيل بتتكلم علي رجل له قيمته أنا باعتقد إنه عمل دور مهم جدا في التاريخ لكنه ما يستطيع أن يستوعبه من عصره له حدود يعني.. " (نص هيكل)
هنا أقول: مهما انتقدت انتقادك الساخط ضد هؤلاء الثلاثة، فيبقوا أنهم قد رسموا خطوطًا واضحة في التاريخ.. كّل في موقعه، وسواء كانوا خلفاء أو ملوكًا.. سواء كانوا سليلي أسر حاكمة أو كانوا زعماء قبائل، فهم انتصروا سياسيا. إن عهد فؤاد الأول يبقي عهدًا زاهيا ووصلت مصر إلي أقوي حياتها السياسية، وشهد البرلمان المصري فيها أعلي درجات القوة مع تبلور نخبة سياسية وفكرية لم تحظ بها مصر لاحقًا.. أما الشريف حسين، فيكفي أنه أعلن بعد مرارة وتعاسة ما مورس ضد العرب من قبل الزعماء الاتحاديين الاتراك، خصوصًا جمال باشا السفاح بإعدامه نخبا من الشهداء العرب الشباب ولم يكن كلهم يشتغل بالسياسة، بل كان فيهم عدد كبير من أدباء ومثقفين.. كان رد فعل الشريف حسين قويا وترجم ذلك ولده فيصل بعلاقاته مع الجمعيات العربية السرية.. أما عبدالعزيز آل السعود، فيكفي ما أوردت بحقه من إيرادات. وعليه، لماذا تناقض نفسك هنا؟ الشخصية الضخمة والمتوحش النبيل قد أنجز دورًا مهمًا جدًا في التاريخ. وعليه، فيستوجب أن تسكت بعد اليوم! ولكن يبقي عدوك اللدود شاخصًا أمامك لتنال منه ومن أسرته دومًا.. مهما ما قلت وستقول عن الملك فؤاد الأول فإن عهده يعد من أفضل عهود مصر في التاريخ الحديث.
معضلة فؤاد: لا يعرف العربية!
تقول عنه مستطردًا: " لكن ومع ذلك فكل هذه التطورات في اعتقادي كانت طبيعية لكن نتيجة ده إن أنا لقيت عندي خلفاء بيتكلموا باسم الإسلام، الملك فؤاد مكنش بيعرف عربي الملك فؤاد العربي بتاعه كان مكسر وأنا لا أظن إنه في حد غير الساسة اللي قابلوه مباشرة سمعوا منه لأن الملك فؤاد عاش حياته مع أبوه الخديو إسماعيل في إيطاليا منفي وعاش شبابه ضابط في الجيش العثماني اللي عاشر الجيش النمساوي الألماني وبعدين جاه بقي الملك عاش في مصر فترة مع مجتمع معين في مناخ معين ولما وصل للمُلك بيتكلم علي خلافة وهو لا يعرف عربي بيتكلم عربي مكسر يعني، ابنه الملك فاروق بقي بيتكلم عربي هايل عربي بلدي لكن ده موضوع آخر قضية أخري، الملك عبدالعزيز أنا باعرف إنه ممكن قوي يتكلم شرع وممكن يتكلم قوة رئيس بدوي شيخ قبيلة ويقدر يعمل إلي آخره لكن في حدود.." (انتهي نص هيكل).
باستطاعتك اختزال كل منجزات مصر علي عهد فؤاد الأول كونه يتكلم "عربي مكّسر".. كنت أتمني أن تتكلم جملة مفيدة واحدة بالعربية المبسطة يا هيكل! كنت أتمني عليك أن تقول إن زعماء آخرين كانوا يهذون لساعات طوال بأسلوب بلدياتي من دون أن يقولوا جملة واحدة مفيدة باللغة العربية! زعماء عرب عديدون هم من أصلاب عربية وعاشوا في بيئات عربية.. لكن تخونهم لغتهم العربية. فهل لم تجد في بحثك عن زلات فؤاد إلا لغته العربية؟ يا أخي أعود اليك لطلب منك قراءة ما كتبه الصديق المؤرخ لبيب يونان رزق في كتابه عن فؤاد الأول.. وأن تتخلص من هذا الحقد الأسود ضد فؤاد الأول.. وسواء تكلم بالفصحي أو تكلم بالمكسّر أسألك يا هيكل سؤالاً واحدًا وان تجيب إجابة قاطعة غير ملتوية ومن دون لف ولا دوران : هل أحب فؤاد الأول مصر حبًا جمًا وعمل من أجلها أم لم يحب مصر، ولم يعمل من أجلها طوال حياته؟
وإذا كان فؤاد الأول لا يعرف العربية، وهو من أصل غير عربي، فما بالك نري زعماء عرب اقحاحا منذ خمسين سنة لا يعرفون الكلام بالعربية، بل لا يجيدون القراءة العربية! أما "فاروق" الأول، فهو ليس قضية ثانية.. بل إن "فاروق" أحب مصر وعمل من أجلها، ولكن خانته ظروفه وعلاقاته وأولئك الذين تعامل معهم.. إن عهد فاروق هو امتداد طبيعي لعهد أبيه.. وإذا كان فؤاد الأول يمالئ الإنجليز، فإن فاروق كان شوكة في خاصرتهم، وتاريخه يشهد بذلك! إن الأخطاء السياسية لا يمكن أن يتحملها شخص واحد، بل يتحمل مسئوليتها أشخاص كثر.. ولو كانت الأخطاء يتحملها شخص واحد، فإن هزيمة 1967 كان سيتحملها جمال عبد الناصر وحده، وان الأخطاء السياسية هي غير الهزائم العسكرية، ولنا أن ندرك أن الإنجليز كانوا سيرحلون عاجلا أم آجلا من كل المنطقة، بدليل رحيلهم من مشيخات الخليج العربي وغيرها.. وأن الفراغ سيملؤه الأمريكيون، ولكن ما حدث من انقلابات عسكرية كافية لتحويل تاريخ دول مهمة عديدة في المنطقة من أنظمة دستورية مستقرة إلي أنظمة فوضوية ثورية..
انتظروا الحلقة القادمة
الكاتب مفكر عربى عراقى مقيم فى كندا وأستاذ فى جامعات عربية وأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.