اجتمعت الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة يوم الاثنين الماضي بعد اجتماع المجلس الخاص لنظر ترقيات بعض أعضائه، وكان الغرض من الاجتماع مناقشة تعيين المرأة عضواً بمجلس الدولة، لتحتل مقعدها في أي من أقسامه، سواء بالقسم القضائي أو قسم الفتوي أو التشريع، وهي اختصاصات جمعت منذ بداية عهد المجلس عام 1946 مسئولية إعلاء المشروعية.. حامياً لدعائمها، وحكماً عدلاً بين الأفراد والسلطات يرد طغياناً أو عدواناً علي الحقوق والحريات، في مواجهة الإدارة بقراراتها الإدارية، أو العقود التي تبرمها، أو الجزاءات التي توقعها علي موظفيها، أو طلب مجازاتهم، وفي كل مرة فإن المشروعية وسيف القانون وضمير القاضي الحكم العدل بين الحكومة والناس عندما تكون صاحبة السلطة. وحسناً فعل المستشار محمد الحسيني رئيس الإدارة بإحياء ذلك التقليد الذي غاب لسنوات طوال، فانحاز إلي ديمقراطية المشاركة والحوار في أمر مهم يتصل بشئون الأعضاء بمجلس الدولة، وهو شغل المرأة لمقعدها بالمجلس ولأول مرة، خاصة وقد اتيح لها شأن غيرها التقدم بطلبات الالتحاق متي تحقق في شأنها شروط الالتحاق بالوظائف القضائية لمجلس الدولة، دونما تفرقة بسبب الجنس، وبالفعل تقدمت الخريجات لشغل الوظائف، ولا أعلم إذا كانت قد جرت المقابلات الشخصية لمن تقدم من الرجال أو النساء، أو من الأمر سوف يعود إلي سابق عهده بالأفضلية وفقاً لمجموع الدرجات فقط من بين أوائل الخريجين رجلاً كان أو امرأة. وضرب المستشار رئيس مجلس الدولة المثل والقدوة، فلم يترأس اجتماع الجمعية العمومية، حتي يرفع الحرج عن نفسه عن زملائه، ثم جرت المناقشة، والمداولة، وكانت نتيجة التصويت كما أعلن عنها 334 رأياً رافضاً لتعيين المرأة بمجلس الدولة، و42 رأياً موافقاً، وامتناع أربعة أعضاء عن التصويت، وهكذا كانت الأغلبية كاسحة برفض التعيين. وقد نشر عن أسباب ذلك عدة تبريرات منها أن النيابة العامة قد سبق أن رفضت تعيينها. أو أن التجربة في محكمة الأسرة لم تكن ناجحة.. وأن بيتها أولي بها زوجها وأولادها إلي غير ذلك من المبررات والأسباب في نظر القائلين بها!! ومع احترامي وتقديري لأصحاب الرأي ولكل الآراء.. وانحيازي المطلق لقضاة مجلس الدولة، واعترافي بفضل مجلس الدولة علي شخصياً، ذلك الحصن الشامخ لحماية الحقوق والحريات.. وقد تشرفت بأن أكون أحد أبنائه الذين نهلوا من الجيل الأوائل.. علمهم وخلقهم وتقاليدهم الشامخة. مع تقديري وإقراري بكل ذلك وأكثر منه، فلقد أحدث الرافض صدمة المجتمع، خاصة أن ققضاة مجلس الدولة العظام هم أهل الرأي والحكمة وسدنة العدل والميزان، وقد تطور الزمن وترسخت مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص بفضل أحكامهم الراسخة علي مر الزمان بالحق والإنصاف.. وكان تطور الزمن علي طوله، في صالح المرأة نجاحاً وريادة في كافة المجالات. ولا أظن أن السوابق والدراسات والآراء كلها كانت تحت نظر قضاة مجلس الدولة العظام منذ قضاء مجلس الدولة والأسباب التي قام عليها في 20 فبراير 1951 برئاسة المستشار السيد بك علي السيد.. ثم قضاءه في 22 ديسمبر 1953 برئاسة المستشار الدكتور عبد الرازق السنهوري.. وفي كل مرة كان مبدأ الأحقية راسخاً، لكن الملاءمة متروكة للمناسبة والإدارة. كذلك قضية ثالثة عام 1978.. ثم رأي فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر إلي وزير العدل في 22 أكتوبر 2002 وقد أيده مفتي الجمهورية ووزير الأوقاف وقضاء محكمة الدستورية العليا.. وما انتهت إليه شعبة العدالة بالمجالس القومية المتخصصة.. من توصيات تؤكد أحقية المرأة في التعيين في وظائف القضاء.. وأن يترك لها، كما يترك للإدارة مناسبة قرار التعيين. وقد تغيرت الأحوال والظروف والزمن بعد نحو ستين عاماً علي تلك السوابق التي أكدت المبدأ وتركت المناسبة.. كذلك كان قرار مجلس القضاء الأعلي بتقرير حافل وافق عليه وأصدره بجلسة 8 / 6 / 2002 تضمن توصيات كانت في صالح تعيين، كما أصدرت مجلة القضاء عدداً خاصاً عن تعيين المرأة قاضية في عدد ديسمبر 2002 تضمن جميع الآراء.. إلي أن انتهي مجلس القضاء الأعلي بجلسة 26 ديسمبر 2002 باتخاذ القرار المناسب بتعيين المرأة قاضية ووضع القواعد والنظم المناسبة ووافق علي تعيين 42 قاضية.. وهو ذات اليوم الذي تقرر فيه تعديل المادة 62 من الدستور لتجد مكانها في البرلمان.. فهل مازالت القضية بعد طول هذا الزمن وبعد تلك الدراسات والمتغيرات.. وتغير المناسبات.. فهل مازالت تثير جدلاً؟ ولهذا كانت الصدمة بالحرمان من تولي القضاء بسبب الجنس.. خطراً كبيراً.. ولا أقل من الإقرار والاعتراف بالحق.. وأن نترك لها الخيار.. وللمجتمع التقييم. ولعل قضاء مجلس الدولة بأقسامه.. واختصاصاته الأنسب لتعيين المرأة في وظيفة القضاء.. كالقضاء والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة.. الذي بدأته منذ عام 1958 وما بعدها.. ولهذا لا أملك إلا أن أطالب قضاة مجلس الدولة العظام بإعادة المداولة.. والمجلس الخاص بإعادة النظر.. خاصة بعد أن أفصح القضاة عن رأيهم.. فإلي من تلجأ المرأة شاكية أو مطالبة بحقها قضاء، بعد أن أفصح حضرات القضاة عن رأيهم.. بعد أن أفصح حضرات القضاة عن رأيهم وعندئذ لن تجد المرأة من يحكم في قضيتها إذا كان الباب قد استغلق أمامها ولم يعد لها ساحة للعدل تطرق أبوابها.. عفواً حضرات القضاة!!