لا جدال في أن الثورة الإيرانية في عامها الحادي والثلاثين تقف في مفترق طرق صعب، فما كان حديثا صامتا، أو عبر غضب مكتوم، تحول إلي تظاهرات حاشدة، وعاد شعار الموت للديكتاتور سواء كان هذا الديكتاتور محمد رضا بهلوي أو علي خامئني أو أحمدي نجاد.. هكذا يبدو الوضع الداخلي في إيران.. حالة من عدم الاستقرار، ولا يمكن قياس قدرة النظام علي الصمود، وهو نفس ما ينطبق علي قابلية تطوير الاحتجاجات إلي عمل منظم يسقط النظام، فحتي الآن لم يتم تنظيم العمل الشعبي الاحتجاجي في أطر سياسية واضحة، إلي جانب أن بعض هذه الاحتجاجات يأتي من داخل الثورة نفسها. هنا تكمن المشكلة الكبري وهي الثورة علي الثورة، أو التغيير من داخل الدولة الدينية، فرموز الحركات الاحتجاجية الإيرانية الحديثة محمد خاتمي وحسين موسوي ومهدي كروبي هم أبناء مخلصون للثورة الإيرانية ولزعيمها ومرشدها الروحي التاريخي آية الله الخميني.. وحتي الإصلاحيون الذين كانوا قد تراجعوا قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية خرجوا جميعا من رحم الثورة.. حتي ولو أدانتهم الثورة. ويبدو الخلاف الحقيقي داخل إيران ليس بين من يرغبون في تغيير النظام الحاكم، وإنما في إصلاح النظام نفسه، بالإبقاء علي وضعية الولي الفقيه، وتقليص صلاحياته في حدود الأمور الدينية وفسح المجال أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية في انتزاع بعض الصلاحيات التي أممها الولي الفقيه لصالحه. في المقابل لم يحسم الغرب خياراته من النظام الإيراني الحالي، فهو غير راض عنه، لكنه لم يتخذ بعد قرار إزاحته، وهنا لا يبدو التغيير مرتبطا فقط بحجم الحركة السياسية داخل إيران بقدر ما يتوقف علي مدي استجابة الرئيس الأمريكي باراك اوباما للضغوط التي يمارسها ضده الجمهوريون لوضع حد للحوار غير المثمر مع إيران والشروع في عمل عسكري يقلم الأظافر العسكرية لطهران، ويحبط طموحاتها النووية. ورغم ان الحركة السياسية في إيران كما قلنا من قبل لم تكمل الشروط اللازمة لإحداث القدرة علي التغيير، فإن أي عمل عسكري غربي ضد إيران سيكون عنصر الحسم في رسم خارطة سياسية جديدة لإيران قد تمتد لسنوات، فضربة عسكرية محدودة للمنشآت النووية وقاذفات الصواريخ الإيرانية، دون الإجهاز علي الحرس الثوري والباسيج كفيلة بإنهاء التفاعل الشعبي المتصاعد ضد الثورة الإيرانية. بينما عمل عسكري كبير علي غرار ما حدث في العراق 2003 من شأنه ليس فقط إسقاط الجمهورية الإسلامية، وإنما قد يؤدي إلي تفتيت إيران إلي عدد من القوميات يصعب تجميعها بعد ذلك في دولة واحدة.. وهو نتيجة لا أعتقد أن صناع القرار الغربي قد درسوها جيدا أو وضعوها في اعتبارهم.. أو حتي قرروا الاستفادة من التجربة الأمريكية في العراق.. فإسقاط صدام حسين لم يحمل الديمقراطية إلي العراق، وإنما كرس كل المشاكل الطائفية والعرقية والدينية التي كانت كامنة في ظل القبضة الحديدية للرئيس العراقي المخلوع.