في الثاني عشر من فبراير تحل الذكري الحادية والثلاثين للثورة الإيرانية التي أسقطت عرش الأسرة البهلوية، وأقامت الجمهورية الإسلامية في طهران، وهو حدث يستحق أكثر من تذكره بمقال هنا أو هناك، أو حتي احتفالات حاشدة في العاصمة الإيرانية، فهذه الثورة سواء اتفقنا أو اختلفنا معها في بداياتها أو إلي ما انتهت إليه علامة فارقة، ومن بين أكثر الأحداث أهمية في القرن العشرين، مثل ثورة يوليو 1952 التي غيرت وجه الحياة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية والعالم الثالث، او الغزو العراقي للكويت في عام 1991 الذي استحضر القوات العسكرية الأجنبية إلي المنطقة العربية، أو سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1992 وانتهاء زمن الحرب الباردة. وكل من هذه الأحداث وقع في القرن العشرين لكن تداعياته لا تزال ممتدة خلال القرن الذي نعيشه الآن، مما يعني أن التأثير يمتد بين قرنين من حيث الاتساع الزمني، كما أن النتائج علي الأرض تخرج من نطاق المحلية، لتتحول إلي حدث عالمي يلقي بتأثيراته وتبعاته علي مختلف أرجاء المعمورة. علي أن أهم ما يميز الثورة الإيرانية عن غيرها من الأحداث المهمة في القرن العشرين، أنها كانت أول ثورة إسلامية أرست أسس دولة دينية، في منطقة لم تألف هذا النوع من أنظمة الحكم منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 وقيام تركيا العلمانية علي يد مصطفي كمال أتاتورك، كما لا يمكن اعتبار إسرائيل كدولة دينية يهودية نموذجا للقياس عليه في المنطقة لأنها لا تنتمي للمنطقة، وليست وليدة حراك اجتماعي وسياسي واقتصادي طبيعي، وإنما جري زرعها في قلب العالم العربي لأهداف ليس هنا موضعها. لكن الأكثر أهمية وإلحاحا هذه الأيام هو أن الذكري الحادية والثلاثين للثورة الإيرانية، تحل في وقت تشهد فيه إيران ثورة علي الثورة، أو ثورة من داخل الثورة نفسها، يقول قادتها المعروفون بالإصلاحيين انهم لا يريدون الانقلاب علي الثورة وإنما إعادة تصحيح مسارها ووضعها علي الطريق الذي رسمه لها زعيمها الراحل آية الله الخوميني، أو بالمعني الذي سبق واستخدمه الرئيس الراحل أنور السادات حتي ولو لم يكن دقيقا فإن ما تشهده إيران هو ثورة تصحيح علي الثورة التي شاخت أو حادت عن طريقها وتحولت من حركة ثورية إلي دولة مستبدة تعاني كل أمراض الشيخوخة السياسية والاجتماعية. وفي تصوري ان ما يحدث في إيران في ذكري الثورة ليس مجرد حدث عابر، لكنه في ذات الوقت لم يستكمل بعد شروط التغيير الذي يتمناه الكثير من الإيرانيين، ورغم اتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية منذ الانتخابات الرئاسية العام الماضي، والتشكيك في شرعية الرئيس المنتخب أحمدي نجاد، وحتي انتقاد المرشد الأعلي للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي الذي وصل لمرحلة العلنية، فإن بوادر أو أمارات التغيير القادم أو نهاية الثورة الإسلامية في طهران لا تبدو وشيكة، وإن كان النظام السياسي ككل يمر بمرحلة عصيبة ستحدد بشكل كبير شكل إيران في المستقبل لكن هذا القادم يحتاج إلي قراءة موسعة ودقيقة وتحليلية في إيران خلال واحد وثلاثين عاما. ونواصل غدا