هل تؤدي كثرة مشاهدة نوعية معينة من البرامج ، ولتكن برامج التوك شو المسائية، إلي إصابة المشاهدين بنوع من الاكتئاب أو المزاج العام الذي يميل إلي التشاؤم؟ وهل تؤدي مشاهدة البرامج التي تعرض الإنجازات التي تتحقق علي أرض الواقع إلي تحسن المزاج العام للمشاهدين، وإلي تغيير نظرتهم إلي الحياة؟.. هذه هي بعض التساؤلات البحثية التي بدأ الباحثون في مجالات علم النفس والاجتماع، وفي دراسات الإعلام والرأي العام، يلتفتون إليها في السنوات الأخيرة.. منطلقين من اعتقاد مفاده: قل لي ماذا تشاهد، أقل لك كيف يبدو مزاجك، وكيف يكون عليه "مودك" هذا الصباح. وبمعني آخر، فإن مضامين وسائل الإعلام لها تأثير علي الحالة المزاجية العامة للمشاهدين The Public Mood ، بحيث تجعلهم أكثر إقبالاً علي الحياة ، وأكثر استبشاراً بالمستقبل، أو تجعلهم أكثر تشاؤماً، وأكثر اعتقاداً في أن الحياة تتحول من سييء إلي أسوأ. ففي دراسة علمية أجراها عدد من الباحثين الأمريكيين (هولوواي وزملاؤه) عن تأثير الأخبار الإيجابية التي يتعرض لها الإنسان علي معدل ثقته في الآخرين وعلي درجة تعاونه مع الآخرين.. أشارت نتائج الدراسة إلي أن الأكثر مشاهدة للأخبار الإيجابية أكثر إيجابية وتفاؤلاً في نظرته إلي الحياة، وفي تعاملاته مع الناس . وفي دراسة أجراها ويندي رام وزملاؤه في عام 1996 علي عينة من الشباب الأمريكي ، لدراسة العوامل المؤثرة علي "المزاج العام" لديهم ، أشارت نتائج الدراسة إلي أن وسائل الإعلام بما تعرضه من مضامين إيجابية وسلبية كانت من أهم العوامل المشكلة لهذا المزاج العام للشباب. وفي دراسة أجراها أحد أساتذة كلية الإعلام جامعة القاهرة (أيمن منصور 2009) وطبقها علي عينة مكونة من 1200 شخص، في أربع محافظات ، وعلي ثلاث فترات زمنية مختلفة، فترة يسود فيها في وسائل الإعلام خبر سلبي رئيسي، وفترة يسود فيها في وسائل الإعلام خبر إيجابي رئيسي، وفترة لا يوجد بها خبر رئيسي أو مهم.. وقد خلصت الدراسة إلي أن الحالة المزاجية العامة للجمهور المصري تأثرت سلباً بالتعرض للخبر السلبي، وتأثرت إيجاباً بالتعرض للخبر الإيجابي، أي أن الحالة المزاجية العامة للجمهور المصري تتأثر سلباً وإيجاباً بالتعرض لنوعيات الأخبار المختلفة (السلبية - الإيجابية - العادية).. وإذا كان من صميم الدين أن نستبشر بالخير لكي نجده "تفاءلوا بالخير تجدوه"، وإذا كان الرسول الكريم يوصي أمته "بشروا ولا تنفروا"، فإن علي رجال الإعلام، ومقدمي البرامج المسائية أن يجعلوا الحياة أقل كآبة مما هي عليه في برامجهم، وأن يفتحوا نوافذ الخير والنور قليلاً، حتي يجد الناس متنفساً أو منفذا للنور في حياتهم.. وحتي يستقيم "المزاج" أو يتم ضبطه ولو قليلاً.