قال لي ذات مرة إنه (زعلان جدا جدا من نفسه) لأنه تسرع في حكمه علي شخص ما ثم اكتشف أنه قد أخطأ.. فتذكرت ما قصه علي حين قرأت هذه القصة التي تشبه إلي حد كبير ما حدث له.. كان الرجل العجوز جالسا مع ابن له يبلغ من العمر 25 سنة في القطار. وبدا الكثير من البهجة والفضول علي وجه الشاب الذي كان يجلس بجانب النافذة. فأخرج يديه من النافذة وشعر بمرور الهواء وصرخ "أبي انظر جميع الأشجار تسير وراءنا!" فابتسم الرجل العجوز متماشياً مع فرحة ابنه.. وكان يجلس بجانبهما زوجان ويستمعان إلي ما يدور من حديث بين الأب وابنه، وشعرا بقليل من الإحراج فكيف يتصرف شاب في عمر 25 سنة كالطفل؟ فجأة صرخ الشاب مرة أخري: "أبي، انظر إلي البركة وما فيها من حيوانات.. انظر يا أبي، الغيوم تسير مع القطار".. واستمر تعجب الزوجين من حديث الشاب مرة أخري. ثم بدأ هطول الامطار، وقطرات الماء تتساقط علي يد الشاب، الذي امتلأ وجهه بالسعادة وصرخ مرة أخري: "أبي إنها تمطر، والماء ينزل علي يدي، انظر يا أبي."وفي تلك اللحظة لم يستطع الزوجان السكوت وسألا الرجل العجوز: "لماذا لا تذهب بابنك هذا للطبيب لتحصل له علي علاج؟" هنا قال الرجل العجوز: "إننا قادمان من المستشفي حيث إن ابني قد أصبح بصيراً لأول مرة في حياته."لقد كان الابن الكبير يري تلك الأشياء لأول مرة في حياته ولذلك بدا وكأنه يتصرف بطريقة غير طبيعية.. وربما لو كان أي منا مكان الزوجين اللذين اعترضا علي ردود أفعال الشاب، لفعل مثلهما واعترض بل وتندر أيضا عليه.. هذا لأننا غالبا ما نستخلص النتائج قبل معرفة الحقائق كاملة.. وبالتالي تصدر أحكامنا المبنية علي نتائج متسرعة بشكل خاطئ.. فنظن أن الناس مجانين لأننا متسرعون..وعندما نقفز إلي النتائج فإننا نهمل مرحلة مهمة تعلمنا الكثير ألا وهي البحث عن الحقائق.. والحقائق غالبا لا تكون في الظواهر بل تكمن في الأعماق، ولا ترتبط بالحاضر وحده بل تتصل بالماضي وبالتاريخ، ولا يكفي لمعرفتها أن يعتمد الشخص علي حواسه المادية بل ينبغي أن تعمل روحه ويشتغل عقله ويفكر حتي بخياله ليقود البحث عن الحقائق بطرق متنوعة حتي يصل إلي الحقيقة.. فلو كان الزوجان نظرا بعمق وبحثا في ماضي الشاب، وأعملا عقليهما قليلا لاكتشفا أن الظاهر لا ينبئ بالحقيقة ولسألا عن السر وراء تلك التصرفات الغريبة..وقد يستدعي الأمر لمعرفة الحقيقة أن نسأل من هم أكثر معرفة منا وليس هذا عيبا ولا إنقاصا لمعرفتنا وخبراتنا.. لأن الذاتية لا تصلح أبدا في البحث عن الحقيقة.. وينبغي أن تكون الحقيقة موضوعية يراها الآخرون حتي تكمل مصداقيتها.. وعندئذ يمكن أن نصل إلي نتائج نبني عليها أحكاما أقرب إلي الصحة والدقة والعدل من تلك التي لا تعتمد علي تقصي الحقائق.. (لا تستخلص النتائج حتي تعرف كل الحقائق)..