تحت شعار "الثقافة العربية وطنا.. والدوحة عاصمة"، دشن أمير قطر احتفالات الدوحة باختيارها عاصمة للثقافة العربية في عام 2010 ، وقد أعدت الدوحة احتفالية كبيرة تتضمن 76 فعالية ثقافية وفنية خلال الربع الأول من العام فقط، وهو أمر يحسب لقطر التي يبدو أنها ستنفق الكثير علي هذا الحدث الثقافي وهو أمر يستحق التحية، فكل مليم تنفقه دولة عربية علي الاستثمار في الثقافة ينبغي الإشادة به. وقد بدأ تقليد العواصم الثقافية عام 1985 ،علي أساس تشجيع المدن الأوروبية علي تطوير الإبداع الثقافي، عندما بادرت وزيرة الثقافة اليونانية ملينا ميركوري بفكرة العاصمة الثقافية إلي مؤتمر وزراء الثقافة للمجموعة الأوروبية، وقد حظيت أثينا في العام نفسه بشرف اختيارها عاصمة للثقافة الأوروبية. وبناءً علي اقتراح من المجموعة العربية في اليونسكو خلال اجتماع اللجنة عام 1995 ، أُعلن عن انطلاق العواصم الثقافية العربية بدءاً بالقاهرة 1996 وتوالي الأمر بعدها بين العواصم العربية بشكل سنوي. وتهدف مبادرة العواصم الثقافية إلي تنشيط المبادرات الخلاقة وتثمين الرصيد الثقافي والمخزون الحضاري، من خلال تنظيم نشاطات ثقافية متنوعة حول محاور يجري اختيارها من قبل المدن المقررة لهذا البرنامج. إضافة إلي إبراز القيمة الحضارية للعاصمة المختارة علي الصعيدين الإقليمي والعالمي، وتثمين ما تزخر به من تراث، وما تضطلع به من دور رئيس في دعم الإبداع الثقافي والفني والفكري. و كذلك الانفتاح علي ثقافات الشعوب وحضاراتها، وتعزيز قيم التفاهم والتآخي والسلم فيما بينها، وتعميق الحوار الثقافي مع الاعتراف بالخصوصية الثقافية، والاندماج في سياق العصر. لكنني أتوقف أمام برنامج الاحتفال الذي يحفل بالكثير من الأحداث غير العربية، منها مثلا أسبوع لإيران وآخر للسينما الإيرانية ومثله للسينما التركية، وعرض باليه روسي، وفرقة طبول يابانية، وأوركسترا بولندية، وأسابيع ثقافية للهند وفنزويلا وأذربيجان وغيرها. لكن فيما يبدو فإن القائمين علي أمر "الدوحة عاصمة الثقافة العربية" كان لهم أهداف أخري إلي جانب الثقافة العربية، وأعتقد بلا مواربة أن السياسة طغت علي الثقافة، بدليل الاحتفاء الكبير بالسينما والثقافة الإيرانية، في وقت يعاني فيه العالم العربي من التدخل الإيراني السافر في القضايا العربية، ومحاولة الاستفادة منها لتحقيق أهداف إيرانية علي حساب المصالح العربية. ولست ضد التواصل الثقافي مع الآخرين، أو الانفتاح عليهم، لكن في هذا الظرف السياسي العربي، وفي ظل أن الحدث يتعلق بالثقافة العربية، يبدو إقحام الثقافة الإيرانية فيه محاولة ليس فقط لتنفيذ المشاريع السياسية الإيرانية في المنطقة، وإنما لتدعيم ذلك بالترويج للثقافة الإيرانية.. هذا ما أقرؤه في فعاليات مهرجان "الدوحة عاصمة للثقافة العربية" وأرجو ألا ينتهي المهرجان وقد تحولت الدوحة إلي عاصمة للثقافة الإيرانية؟!