كان الرئيس حسني مبارك واضحا كل الوضوح لدي تطرقه في خطابه الأخير إلي الوضع في غزة. كان ضروريا أن يسمي الأشياء بأسمائها، حتّي لو لم يسمّ "حماس"، وأن يؤكد أن ما تبنيه مصر علي طول حدودها مع القطاع حماية للسيادة المصرية والأمن المصري وان تهريب السلاح إلي غزة يضرّ بالفلسطينيين وقضيتهم قبل أي شيء آخر. لا غبار علي المنطق المصري الذي يستهدف حماية الفلسطينيين من بعض الممارسات الفلسطينية التي تسيء إلي القضية وإلي مستقبلها وإلي نضال الشعب الفلسطيني الهادف إلي تحقيق حلم الدولة المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. باختصار، تحمي مصر الفلسطينيين من بعض الفلسطينيين الذين يحاربون كلّ ما له علاقة بالمنطق. علي سبيل المثال وليس الحصر، هناك اجواء احتفال لدي "حماس" بما تسميه الأنتصار الذي تحقق في غزة قبل سنة حين انتهت الحرب الإسرائيلية علي القطاع. اسفرت تلك الحرب عن سقوط ألف وأربعمائة شهيد فلسطيني، معظمهم من المدنيين. لم يقتل سوي ثلاثة عشر إسرائيليا. دمرت آلة الحرب الإسرائيلية ما يزيد علي ربع البنية التحتية لغزة ولا تزال تفرض حصارا علي القطاع، فيما العالم يتفرج والعرب في حيرة من أمرهم. لعلّ الموقف المصري يساعد في استفاقة عربية وفي اتخاذ موقف لا لبس فيه يضع الأمور في نصابها ويؤكد لكل من يعنيه الأمر أن الكلام عن انتصار شيء، فيما الأنتصار الحقيقي شيء آخر. ثمة حاجة عربية إلي الجرأة. ليس مطلوبا الاكتفاء الوقوف مع مصر وإدانة الحملات التي تشنها بعض الاطراف الفلسطينية عليها من زاوية أنها شريك في الحصار علي غزة. وفي ذلك مجافاة للحقيقة والواقع. ما يبدو ضروريا أكثر من أي وقت اتخاذ موقف من السلاح الفلسطيني، خصوصا في لبنان. مصر تستطيع حماية نفسها ومواجهة المزايدات والمزايدين وقول ما يجب قوله، حتي لو جاءت مواقفها في بعض الاحيان متأخرة فبدت كأنها تكتشف فجأة "حماس" وارتباطاتها والأهداف الخفية التي تقف وراء سيطرتها علي غزة. لبنان لا يستطيع ذلك، خصوصا ان المحور الإيراني- السوري يستخدم أرضه "ساحة" لتصفية الحسابات مع هذا الطرف العربي أو ذاك ويستخدم أدواته اللبنانية وأدوات الأدوات لتكريس وجود دولة داخل الدولة اللبنانية. لبنان في حاجة، أكثر من أي وقت، إلي موقف عربي صريح لا يخشي المزايدات والمزايدين وحملة الشعارات المزيفة. يفترض بمثل هذا الموقف أن يظهر أن العرب تعلموا شيئا من تجارب الماضي القريب وانهم يريدون بالفعل حماية الفلسطينيين وقضيتهم وتفادي استخدامهم وقودا في معارك لا علاقة لهم بها يدور بعضها علي أرض لبنان. واجب العرب دعم الموقف المصري وتأكيد أن في الامكان العمل جديا من أجل فك الحصار الإسرائيلي الظالم المفروض علي أهل غزة عن طريق اعتماد المنطق والمواقف الشجاعة قبل أي شيء آخر. أنه الحصار الذي تستفيد منه "حماس" لإخضاع الشعب الفلسطيني وتغيير طبيعة المجتمع في القطاع كما تستفيد منه حكومة بيبي نتانياهو لتبرير سياساتها العدوانية الهادفة إلي تكريس الاحتلال عن طريق القول للعالم أن لا وجود لشريك يمكن التفاوض معه والهرب بالتالي من الانسحاب من الضفة الغربية علي غرار ما حصل في غزة. هذا جانب مما يستطيع العرب عمله في حال كان مطلوبا حماية القضية الفلسطينية والتوصل إلي تسوية تعوض بعضا من الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني. لعل الجانب الآخر المهم، وربما الأهم، اتخاذ موقف من السلاح الفلسطيني في لبنان داخل المخيمات وخارجها ووقف التطاول علي سيادة لبنان وأمنه عن طريق صغار الصغار من أمثال المدعو "أبوموسي" ومن علي شاكلته. عندما يتخذ العرب موقفا من هذا النوع، أنهم لا يخدمون القضية الفلسطينية فحسب، بل أنهم يعيدون أيضا الاعتبار لأنفسهم أولا، لعل اللبنانيين يغفرون لهم الخطايا التي ارتكبوها في حق الوطن الصغير وشعبه منذ فرضهم اتفاق القاهرة عليهما في العام 1969 . كان فرض اتفاق القاهرة علي لبنان واللبنانيين جريمة في حق الفلسطينيين واللبنانيين في آن. ربما آن الآوان كي تصدر عن العرب كلمة عادلة في حق لبنان. الموقف من السلاح الفلسطيني نقطة انطلاق أساسية في هذا المجال... هذا إذا كان هناك من يريد أن يعتبر ويستخدم المنطق بدءا بالاعتراف بأن الكلام عن انتصار في غزة لا يشبه سوي الكلام عن انتصار علي إسرائيل في حرب صيف العام 2006 في لبنان. لا شك أن مقاتلي "حزب الله"، علي عكس رجال ميليشيا "حماس"، صمدوا في مواجهة العدوان الأسرائيلي، لكن ماذا حل بلبنان؟ لا تزال فيه بيوت مدمرة وقد ارتد السلاح في اتجاه الداخل وصار موجها إلي صدور اللبنانيين الشرفاء حقا! الأخطر من ذلك انفلات الغرائز المذهبية علي نحو لا سابق له في تاريخ الوطن الصغير! لا يمكن بناء انتصارات علي أوهام. هناك طريق مختصر ليؤكد العرب أنهم باتوا يدركون هذه الحقيقة. اسم الطريق الموقف الواضح من السلاح الفلسطيني ومن كل سلاح غير شرعي في لبنان. مهدت مصر الطريق لإتخاذ مثل هذا الموقف الشجاع. ولكن هل هناك من يريد أن يسمع أو يتعظ؟