طوال الشهور الماضية الرسائل التي تأتي من إسرائيل كلها تدور حول فكرة واحدة هي.. نتانياهو تغير.. لم يعد هو نتانياهو اليميني المتطرف الرافض للسلام مع الفلسطينيين.. بل صار مستعدا لأن يتخذ قرارات صعبة في سبيل تحقيق السلام مع الفلسطينيين وكل العرب.. أعطوه فقط فرصة وأقنعوا الفلسطينيين بالعودة إلي مائدة المفاوضات وسيجدون ما يسرهم!. هذه الرسائل كانت تأتي من خصوم سابقين لنتانياهو ومن مسئولين إسرائيليين كبار لا ينتمون لحزبه أو يشاركونه أفكاره الليكودية المتطرفة، وبعضهم يقدم نفسه كداعية للسلام!. ومن أجل تأكيد كلامهم بأن نتانياهو تغير قالوا إنه صار يقبل بمبدأ حل الدولتين، أي إقامة دولة فلسطينية، وأنه صار يقبل بأن تقام هذه الدولة علي حدود 1967، ولم يعد يعارض بحث أمر القدس العربية في مفاوضات للحل النهائي، وأنه بوصفه يميني متطرف هو الوحيد القادر علي صنع السلام مع العرب، مثل مناحم بيجين الذي أبرم اتفاقية كامب دافيد مع مصر حتي الأمريكان الذي فاجأهم هذا الكلام، أو هكذا بدوا، فإنهم سبق أن مهدوا له بالقول بأن نتانياهو اتخذ خطوات متقدمة حينما قبل بمبدأ حل الدولتين، وحينما أعلن عن تجميد وهمي للاستيطان في الضفة الغربية لا يشمل الاستيطان في القدس، ويستثني بناء عدد ليس قليلا من الأبنية في مستوطنات الضفة، ويتجاهل إزالة ما يسمي في إسرائيل بالاستيطان العشوائي، أي المستوطنات التي لم تحصل مبانيها علي تراخيص رسمية حكومية. لكن لأن المياه تكذب الغطاس كما نقول فقد فضح نتانياهو بنفسه هذه الأكاذيب التي ظل بعض الإسرائيليين يروجون لها ويحاولون إقناع العالم والعرب بها. لم يطق نتانياهو طويلا الاستمرار في الدور الذي حاول أن يقوم بتمثيله أمامنا، والذي ادعي فيه في اتصالات ولقاءات أنه تغير ومستعد لاتخاذ القرارات الصعبة من أجل صنع السلام، ربما لأنه شعر أنه لم يحقق هدفه وفشل في خداعنا أو جر الفلسطينيين إلي مفاوضات لا جدوي منها تستهلك وقتا، هو وحكومته في حاجة إليه لكي يعمل في هدوء علي تغيير الأوضاع علي الأرض، وفرض أوضاع جديدة، يطالبنا فيما بعد بمراعاتها، مثل ما يطالبنا الآن بمراعاة الأوضاع الذي صنعها الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 وحتي الآن. خلع نتانياهو رداء الباحث عن السلام وعاد إلي ردائه الأصلي والمحبب، رداء فرض الاستسلام علي الفلسطينيين. عاد ليردد علنا وبوضوح أنه لا عودة إلي حدود 1967، ولا تفكيك للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة، ولا تقسيم للقدس التي سوف تصبح عاصمة لإسرائيل، ولا عودة للاجئين الفلسطينيين.. ثم أضاف أخيرا أنه لا إنهاء للحصار المفروض علي غزة، ولا إفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ولا إزالة للحواجز في الضفة، ولا أيضا لتوسيع مساحة السيطرة الأمنية والإدارية للسلطة الفلسطينية في الضفة. وبعد البيان الذي أصدره مكتبه ليجدد تمسكه بثوابته الرافضة للسلام وللحقوق الفلسطينية، التقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بالصحفيين حتي يزيل أية شكوك لديهم بأنه تغير أو في سبيله للتغير، وأنه مازال متمسكا بكل مواقفه القديمة والتي موقف واحد منها كفيل وحده بإجهاض أية محاولات لاستئناف جهود السلام. لقد استبق نتانياهو لقاءه بميتشيل بإعلان يحدد مواقفه هذه، حتي يفهم المبعوث الأمريكي، أن أية مطالب أمريكية جاء بها معه لن تكون مقبولة، وأن الأمر الوحيد المقبول لدي الحكومة الإسرائيلية هو إعادة الفلسطينيين إلي مائدة المفاوضات، أو ما أسماه نتانياهو إنزالهم من فوق شجرة الخيال التي اعتلوها حينما طالبوا بتجميد شامل للاستيطان إلي أرض الواقع، واقع الاحتلال الكئيب. هذا هو نتانياهو الذي تغير كما ادعوا.. لقد تغير بالفعل، ولكن تغير إلي الأسوأ.. إلي مزيد من التطرف والإرهاب.