لم يكن جلال الدين الحمامصي الذي رحل في العشرين من يناير سنة 1988 صحفياً قديراً فحسب لكنه كان أيضا ممن تولوا مسئولية تعليم الصحافة لأجيال من المتطلعين إلي العمل في المهنة الجليلة وتشهد علي أستاذيته أجيال من الطلاب الذين تلقوا علي يديه فنون التحرير الصحفي في كلية الإعلام. ما أكثر الأساتذة الأكاديميين الذين لم يمارسوا المهنة يوما وتغيب عنهم بالضرورة تلك الخبرات التي لا يمتلكها إلا من يحتك بالتفاصيل اليومية ويكتسب من التجارب ما يؤهله لأن يكون معلما من طراز مختلف وفي طليعة هؤلاء يظهر اسم جلال الدين الحمامصي. كان عموده اليومي "دخان في الهواء" الذي ينشره في جريدة "الأخبار" بمثابة الأنموذج للالتزام والدقة والانتماء الوطني الأصيل فهو لا يكتب إلا ما يقتنع به ولا يستهدف إلا الصالح العام والقيام بالواجب أن يتسم به كل صحفي محترم أن يكون سلطة رقابية شعبية تحرض علي الأفضل والأرقي. من الدروس التي لا ينساها طلاب الحمامصي ذلك الحرص علي الدقة والموضوعية من ناحية وتجنب ا لاساءة والبذاءة من ناحية أخري اختلاف الرأي لا يعني العداء والسب والشتم وتوجيه النقد لا يقترن إلا عند السفهاء بالردح والمسيء من الألفاظ والأوصاف. هل تحولت دروس الأستاذ المحترم إلي "دخان في الهواء"؟ من يرصد أحوال الصحافة المصرية الآن، لا يملك إلا أن يفكر في مثل هذا السؤال الموجع ذلك أن الانفلات قد وصل إلي ذروته وتحولت الصحف الصفراء إلي أغلبية تحظي بالذيوع والانتشار وتبث قيم الكراهية والتعصب والقبح والإسفاف. المزيد من حرية الصحافة مطلب ضروري للتقدم، والمزيد من الانضباط والالتزام مطلب لا يقل أهمية، ورحم الله الحمامصي فلو أنه كان حيا لجعل من أخلاقيات المهنة هدفا يبشر به ويلح في الدعوة إليه.