كان الهدف الرئيسي من مشروعات تطوير التعليم العالي التي كلفت الموازنة العامة للدولة المصرية أكثر من مليار من الجنيهات هو خلق الظروف الملائمة لتطوير التعليم العالي من أجل تنمية الموارد البشرية التي يتطلبها النمو الاقتصادي للبلاد من خلال تعزيز قدرات التخطيط المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي في الجامعات المصرية، وإعداد مؤسسات التعليم العالي للحصول علي الاعتماد. والتخطيط الاستراتيجي ببساطة يعني تطوير عملية التخطيط بحيث تصير مرتبطة بالموازنة وقياس النتائج من خلال المخرجات، وضمان الجودة في التعليم العالي يشمل مجموعة إجراءات تقوم بها المؤسسة التعليمية للعمل المستمر علي تطوير البيئة التعليمية لديها وقياس احتياجات البيئة للتطوير واتخاذ إجراءات تتناسب مع هذه الاحتياجات، ويوجد لهذه الإجراءات معايير يجب تحقيقها. ومنذ عام 2007 بدأ الحديث عن مطالبة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية بزيادة مرتباتهم، باعتبارها لا تليق بالمكانة الاجتماعية والأدبية لهم من جهة، ولا تكفي متطلبات المعيشة من جهة أخري. لذلك فأنه منذ عدة سنوات كثر الحديث عن حتمية زيادة دخل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية ليصيروا قادرين علي التغلب علي المشاكل المعيشية وحتي يصيروا قادرين علي تفهم مفاهيم التطوير والجودة التي صارت تنطق علي لسان كل مسئول، وتعددت اللقاءات بين رؤساء أندية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية مع وزير التعليم العالي للمطالبة بزيادة المرتبات، وبدأت الردود الرسمية للحكومة علي لسان وزير التعليم العالي الذي تحدث عن اقتراح حول مشروع الربط بين الزيادة في دخل أعضاء هيئة التدريس وجودة الأداء، وقد أثار هذا المشروع في حينه موجة عارمة من ردود الفعل بين الاعتراض الكامل، واللجوء للمفاوضات، وبين فتح الباب للحديث عن جودة التعليم الجامعي، وعلاقته بالمناخ الأكاديمي في الجامعات المصرية، وقد تناول الجدل العديد من الأسئلة حول الربط بين زيادة دخل أعضاء هيئة التدريس وجودة الأداء لأنه لا يجوز ربط جودة الأداء في التعليم الجامعي بساعات تواجد عضو هيئة التدريس بالجامعة دون توفير الامكانيات الأساسية التي تتطلبها طبيعة عمله وخاصة أن هناك عددًا من أعضاء هيئة التدريس لا يجد له مقعدا داخل القسم الذي يعمل به. كما وأن تحقيق الجودة المطلوبة لا يمكن أن يكون اختياريا لأعضاء هيئة التدريس وخاصة أن عملية الاختيار تتعارض مع مفاهيم إدارة الجودة الشاملة والذي يتطلب السعي إلي تحسين كل عنصر من عناصر المؤسسة، وكذلك تحسين المؤسسة ككيان عام يعمل بوصفه نظاما متماسكا. وفعلا نفذ وزير التعليم العالي مشروعه المتضمن الربط بين الزيادة في دخل أعضاء هيئة التدريس وجودة الأداء وجعل المشاركة في هذا المشروع اختيارية، ومن خلال هذا المشروع كان الأستاذ يحصل علي 2000 جنيه والأستاذ المساعد علي 1500 والمدرس علي 1200 جنيه شهريا، وكان المتوقع أن لا تتعدي نسبة مشاركة أعضاء هيئة التدريس في هذا المشروع عن 60٪! لكن الاحتياج المادي وغياب معايير التقييم والفساد الإداري المصاحب تسبب في أن جامعات بأكملها تقريبا حصلت علي المقابل المادي للجودة..! وهذه النتائج تنم عما يلي: 1) عدم وجود دراسة استراتيجية جادة من قبل وزارة التعليم العالي وجميع الجامعات للوقوف علي وضع أعضاء هيئة التدريس قبل البدء في تنفيذ المشروع. 2) تدني الحالة الاقتصادية لأعضاء هيئة التدريس لدرجة اضطرتهم للقبول بشروط المشروع. 3) عدم وجود معايير واقعية لتقييم الأداء. 4) افتقار القيادات الأكاديمية لمفاهيم إدارة الجودة الشاملة. 5) حاجة الجامعات لتنمية قدرات فرق الجودة بها. ولما كان من المستحيل تحقيق جودة التعليم العالي بمعزل عن تطوير المناخ الجامعي العام والذي يحتاج إلي العديد من الاصلاحات وخاصة ما يتعلق بالحريات الأكاديمية، ووضع معايير لتعيين القيادات الأكاديمية ومحاربة التكويش الوظيفي والفساد الإداري، وتوفير الامكانيات المادية المناسبة لتطوير البنية التحية والبحث العلمي.. وبدلا من مراعاة كل ما سبق جاء مشروع الربط بين الزيادة في دخل أعضاء هيئة التدريس وجودة الأداء أجوف وخاليا من المضمون واقتصر علي ملء العديد من الأوراق والنماذج لعدد ساعات الحضور، أو الأنشطة وكلها وهمية تقريبا، وبالتالي لم يحقق المشروع الغاية المستهدفة منه علي الاطلاق والسبب سوء التنفيذ وغياب المتابعة بسبب افتقار الجامعات المستهدفة إلي الموارد البشرية المدربة وتمتلك القدرات الحقيقية التي تمكنها من المتابعة..! ولما كانت الحكومة هي المسئولة عن تلك السلبيات التي ارتبطت بمشروع الجودة لذلك فأننا نتساءل عن عدم قيام الحكومة بالوفاء بوعدها والتي تتطلب صرف باقي مستحقات أعضاء هيئة التدريس عن العام الجامعي المنصرم..! وهل يليق بالحكومة أن تتراجع عن وعدها؟! وإذا كان المشروع قد فشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية فمن المسئول عن ذلك سوي الحكومة؟ ولماذا لم تتم محاسبة المقصرين؟ وأي ذنب ارتكبه المجدون والمجتهدون وأصحاب الحقوق؟.. وهل انتهت الجودة كي نترحم عليها؟.. وهل ستتحرك لجان التعليم بالمجالس التشريعية لترد الحقوق لأعضاء هيئة التدريس أم أن الطريق صار مظلما وليس أمامنا سوي الترحم علي الجودة وفلوسها..!