قبل أن يأتوا إليه كمحتلين،كان الأوروبيون مبهورين بسحر الشرق الإسلامي وثرواته كما كانوا مبهورين بتسامح شعبه واستنارته،لذا حاول الباشاوات والتجار والمسافرون سبر أغوار هذا العالم وكشف سر ذلك الإغراء والجمال والتنوع الذي غلفه علي مدي قرنين ونصف قرن من الزمان. عن سحر الشرق وسنوات الازدهار الذي بلغ أوجه في العصر العثماني صدر مؤخرا كتاب بعنوان "الباشاوات: التجار والمسافرون للعالم الإسلامي" للمؤلف جيمس ماثر والذي يجمع فيه بعض مشاهد عن حضارة الشرق الإسلامي وسنواته الذهبية ويصف عظمة القسطنطينية - إسطنبول حاليا- عاصمة الدولة العثمانية والمدينة الوحيدة في العالم التي تقع علي حدود قارتي أوروبا وآسيا و تتميز بمعمارها الإسلامي المتمثل في القباب والمآذن المزخرفة وأسوار المدينة المحصنة ثم ينتقل ليرصد بعض المعالم البارزة التي تعد حاليا أحد أهم المعالم السياحية في اسطنبول بتركيا كقصر توكابي ومنزل السلطان العثماني الذي كان واحدا من أقوي الحكام علي الأرض. ويقول ماثر أن الغرب ببرودته كان يتطلع بشوق لدفء الشرق وللتوابل والعطور والبن والحرير والزبيب وكل تلك البضائع التي ميزت الشرق وحده وجعلته قبلة المسافرين والتجار ليصبح أكبر مركز تجاري علي وجه الأرض. ويستمر ماثر في سرده قائلا أنه وقبل أن يهيمن النفط علي الاهتمام الغربي في الشرق الأوسط،كانت السلع الغريبة هي التي تغري تجار الانجليز بالتوجه للإمبراطورية العثمانية،كما لم يكن السفر للشرق الإسلامي مقصوراً علي التجارة،فقد كانت الحياة في الشرق تنسي التجار الأوروبيين هم المكسب والخسارة وتجعلهم ينغمسون في ملذات الحياة في اسطنبول وحلب والإسكندرية،من صيد وشرب ولعب الكريكت والاختلاط ببشر من أديان مختلفة يعودون بعدها لبلادهم وقد سجلوا ملاحظاتهم التي تساعدهم علي فهم الإمبراطورية العثمانية واعتبارها كياناً يستحق الاحترام والإعجاب. ويكمل ماثر وصف هذه البيئة الكوزموبوليتانية التي كانت فيها العلاقات بين أوروبا والشرق الإسلامي لم تتصلب بعد وتنصب في قالبها الفيكتوري المألوف،فالإمبراطورية العثمانية التي لا يتذكر البعض منها سوي انحطاطها وهزيمتها القاسية وتقسيم الحلفاء لها خلال الحرب العالمية الأولي،كانت لسنوات طويلة واحدة من أعظم الإمبراطوريات التي أنجبها العالم والتي امتد حكمها من البلقان للمحيط الهندي واتسمت بالفتوحات والعظمة الثقافية. كتاب ماثر يحمل بين طياته وصفاً مؤثراً لأيام مجد الشرق الإسلامي كما يحتوي علي بعض الصور التي تبرز بعضا من أصالة وعراقة الماضي الذي عشقه الأوروبيون من تجار ومسافرين ونقلوا حسنه لبلادهم التي لطالما نظرت له بعين الانبهار وتمنت الاستئثار به.