كتب : د / عمرو ابو العلا كل فترة من الزمن يخرج علينا أحد الأطباء أو الباحثين المصريين بفرقعة إعلامية من نوعية اكتشاف علاج جديد لفيروس سي ويقوم الفريق البحثي بالظهور في التليفزيون ويجلس يفتي أمام مذيع غير متخصص ولم يكلف خاطره لكي يجلس مع متخصص آخر ليراجع الموضوع. وأذكر منذ حوالي سنتين الحاج تامر أمين في برنامج البيت بيتك حينما أخذ يستحلف العلماء المزعومين في ألا يتأخروا في نزول الدواء الجديد للسوق ويعيد ويزيد تكرار التوسل وهو يغمز بعينه وأخذ المرضي المساكين يتصلون بالبرنامج طلبا للدواء المعجزة. هذا الدواء كان مصنوعًا من الطحالب البحرية وطبعًا مضت سنتان ولا حس ولا خبر ولن يكون هنالك أبدًا خبر عن الدواء المزعوم. وفي الماضي حاول الطبيب المصري أحمد شفيق رحمه الله عدة مرات وأخيرًا ادعي شفيق في مؤتمر صحفي (غير علمي) من كينشاسا اكتشاف علاج للإيدز ولعشرات السنين أفلح في كل برنامج يستضيفه في الزوغان من السؤال الشهير أيه أخبار دواء الإيدز؟ وطبعا لا ننسي قصة الحرامي المسكين الذي دخل فيللا الدكتور شفيق يبحث عن الميكروفيلم الذي يحتوي أبحاث الدواء المزعوم وطبعا لم يظهر الدواء كالعادة وعاش الدكتور شفيق رحمه الله وهو يُلقب في الإعلام المصري البريء بالطبيب العالمي اعتمادًا علي اضمحلال ذاكرة الشعب المصري. وتفرغ الدكتور هاني الناظر (طبيب أمراض جلدية) ومدير المركز القومي للبحوث للظهور شبه يوميا في جميع البرامج والقنوات ليتحدث عن منجزات المركز والأدوية الجديدة التي قام علماء المركز باختراعها واكتسب الرجل شهرة وخرج إلي المعاش ولم يظهر أي دواء. وإلي الأخوة العباقرة المصريين والعرب للأسف فإن اختراع دواء في هذا العصر صار حلمًا بعيد المنال لأن المسألة كلها جينات وهندسة وراثية وخلايا جذعية. ولنأخذ الأنسولين كمثال فلقد قام العلماء باستخلاصه من بنكرياس الأبقار والخنازير لأعوام طويلة حتي بداية الثمانينيات ثم حدثت الطفرة باختراع الأنسولين البشري عن طريق نقل جينات من الخميرة إلي البكتريا القولونية الموجودة في قولون الإنسان جعلت البكتريا تصنع أنسولين بشري عالي الكفاءة ولا يسبب حساسية ولا أجسام مضادة ولم يكتفوا بذلك فبعد حوالي عشرين عامًا قاموا بتغيير ترتيب الأحماض الأمينية في الأنسولين لصناعة أنسولين مخلق ذي خواص أفضل كدواء. هذه العمليات معقدة وتحتاج لبحث علمي حقيقي وتعاون بين الأقسام العلمية في الجامعة الواحدة لإجراء هذه العمليات المعقدة وليس الظهور في التليفزيون أو عقد مؤتمر صحفي في مركز شباب الوراق. أما التفكير المصري الذي أصيب بالعجز نتيجة سوء التخطيط وعدم التعاون بين الباحثين والحروب والجري وراء الشهرة والأموال فهو يعتمد علي الفرقعة الإعلامية والأمنيات الطيبة بأن تسقط الفكرة أو الصدفة علي رأس أو عقل الطبيب كما سقطت التفاحة علي رأس نيوتن في القرن السادس عشر فاكتشف قوانين الجاذبية.. أو الرجوع إلي الكلام عن شربة الحاج عبدالودود اللي بتموت الدوود وإلصاق الدين بالموضوع ضمانًا للأمان والانتشار. المصادفة في هذا العصر يمكنها أن تصنع فخفخينا بالموز أو زبادي خلاط (مشروب شهير بالمقاهي المصرية الآن) أما الأدوية والاختراعات فيصنعها المجهود والتعاون والمثابرة وهي أشياء لا تنمو في مناخ ملوث ولا بإعلام يقوده الكابتن شوبير والكابتن مدحت شلبي ويهتم أكثر ما يهتم بشبيطة وحمص والجني والعلماء المزورين.