تنتهي السنة 2009 عند مشهد سيتكرر مرارا في السنة 2010 . انه المشهد الإيراني الذي بات جزءا لا يتجزأ من المخاض الذي يمر فيه الشرق الأوسط، خصوصا منذ ذلك اليوم من شهر - مارس 2003 حين وطأت القوات الأمريكية أرض العراق وبدأت الزحف في اتجاه بغداد بهدف اسقاط النظام. لم يكن اسقاط النظام في العراق حدثا عابرا. صحيح أن النظام البعثي- العائلي الذي ساهم في القضاء علي النسيج الاجتماعي للعراق لم يكن يستحق البقاء، خصوصا بعدما اعتدي علي الكويت، لكن الصحيح أيضا أن الإدارة الأمريكية لم تقدر بدقة عواقب العمل الذي اقدمت عليه وخطورته علي صعيد الإخلال بالتوازن الإقليمي علي كل صعيد. مضت ست سنوات والنظام الإيراني يسعي إلي التأكيد بالأفعال وليس بمجرد الكلام انه المنتصر الوحيد من الحرب الأمريكية علي العراق ومن التورط الأمريكي في أفغانستان. انتزع النظام الإيراني الورقة الفلسطينية من العرب ومن الفلسطينيين انفسهم بعدما صار صاحب الكلمة الأخيرة في فلسطين. تبني القضية الفلسطينية عن طريق المزايدة علي الفلسطينيين انفسهم واحكام سيطرته علي "حماس" التي اقامت امارة "اسلامية" علي الطريقة الطالبانية، نسبة إلي طالبان، في قطاع غزة. في الواقع، لم يكن الانقلاب الذي قامت به "حماس" في غزة منتصف العام 2007 ممكنا من دون الدعم الإيراني. وما كان ل"حماس" أن تفتعل حرب العام الماضي التي تسببت بها الصواريخ المضحكة- المبكية التي كانت تطلقها من قطاع غزة من دون صدور تعليمات في هذا الصدد من طهران. لم يكن مطلوبا من "حماس" في تلك المرحلة سوي عمل كل ما تستطيع من أجل احراج مصر ليس إلاّ. كان الهدف من افتعال الحرب مع إسرائيل استخدام غزة للمزايدة علي مصر. كان هناك خطأ في الحسابات الإيرانية. تبين بكل بساطة أن النظام في مصر ليس لقمة سائغة وانه قادر علي المواجهة وأنه يسعي بالفعل إلي حماية الفلسطينيين وقضيتهم والمشروع الوطني الفلسطيني الذي يحظي بدعم المجتمع الدولي. أكثر من ذلك، انتقلت مصر إلي مرحلة المبادرة إلي حماية الفلسطينيين من فوضي السلاح. ما تبنيه مصر علي الحدود بينها وبين غزة هو في مصلحة الفلسطينيين ومنع إيران وغير إيران من المتاجرة بهم. لا يمكن لتهريب السلاح إلي غزة سوي أن يجلب الويلات علي أهلها. القطاع ساقط عسكريا من كل الزوايا. لماذا اذاً استخدامه في حروب خاسرة سلفا بدلاً من العمل علي فك الحصار الإسرائيلي الظالم بالوسائل الدبلوماسية المتاحة بدعم من مصر والمجموعة العربية والمجتمع الدولي والسلطة الوطنية نفسها؟ سعت إيران منذ سقوط الأمريكيين في المستنقع العراقي والأفغاني إلي التوسع اقليميا. استخدمت السلاح المذهبي في المجال السياسي ولجأت إلي كل الوسائل المتاحة من أجل تعزيز نفوذها في منطقة الخليج تحديدا، خصوصا في اليمن حيث تبين أن الحوثيين باتوا قادرين علي خوض حرب طويلة بهدف اقامة دويلة خاصة بهم داخل الدولة اليمنية. تبين أن اليمن ليست وحدها المعنية بالخطر الحوثي، بل إن السعودية مستهدفة أيضا. يحصل ذلك، في وقت لا تخفي أوساط نافذة في طهران أن البحرين لا تزال هدفا إيرانيا وأن الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة موضوع غير قابل للتفاوض. هل الجولان محتل والجزر الإماراتية غير محتلة؟ يبقي لبنان الجائزة الكبري بالنسبة إلي إيران. كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط- فبراير فرصة لتؤكد طهران انها قادرة علي ملء الفراغ الأمني الناجم عن اضطرار الجيش السوري إلي الانسحاب من اراضي الوطن الصغير. كانت حرب صيف العام 2006 دليلا ساطعا علي انها تتحكم بقرار الحرب والسلم في البلد وكان الاعتصام وسط بيروت ثم احتلال العاصمة عن طريق ميليشيا "حزب الله" التابعة لها دليلا علي أن لبنان صار قاعدة إيرانية علي البحر المتوسط. كل ما يقال حاليا عن ضرورة المحافظة علي سلاح "حزب الله" كلام لا معني له. لا وظيفة لهذا السلاح المذهبي الموجه إلي صدور اللبنانيين سوي تكريس لبنان "ساحة" للمحور الإيراني- السوري. هل يأتي يوم يفك فيه لبنان اسره الذي طال أكثر مما يجب بسبب السلاح غير الشرعي الذي يلغي نتائج الانتخابات الديمقراطية التي اجريت في السابع من حزيران- يونيو الماضي؟ في الإمكان الحديث عن دور اكبر لإيران علي الصعيد الإقليمي. يشمل الدور العلاقة القائمة بينها وبين "القاعدة" واستخدام اريتريا موطئ قدم لتغذية حروب صغيرة وكبيرة بالسلاح وغير السلاح في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وهذا امر تنبه له مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اخيرا فأصدر قرارا في شأن الدور الأريتري في القرن الأفريقي. يفترض في العرب والعالم الاعتراف بأن كل شيء تغير في الشرق الأوسط في ضوء ما شهده العراق في السنوات الست الأخيرة حيث النفوذ الأكبر والأوسع لإيران. هناك نائب عراقي يعتبر نفسه عراقيا اولا ثم عربيا ويفخر في الوقت ذاته بأنه شيعي، يحذر من توجهات الأحزاب المذهبية في العراق علي رأسها "حزب الدعوة" و"المجلس الأعلي للثورة الإسلامية". يري هذا النائب أن قادة هذه الأحزاب انما ينتمون إلي جهاز الاستخبارات الإيراني ... أو إلي الحرس الثوري. السؤال من هو إيراني أكثر من الآخر بين قادة هذه الأحزاب لا أكثر بدليل الميوعة التي اتسمت بها مواقف هؤلاء بعد احتلال إيران البئر النفطية العراقية في منطقة حدودية. كانت السنة 2009 حاسمة بالنسبة إلي إيران. زعزعت الأحداث الداخلية التي شهدها البلد النظام. صار اقرب إلي مرآة تعرضت لكسر. منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران- يونيو الماضي والأحداث تتوالي. كانت تظاهرة عاشوراء التي تخللتها صدامات بين الجيل الشاب والسلطة بمثابة تأكيد للنظرية القائلة أن العد العكسي بدأ بالنسبة إلي النظام وان "الثورة المخملية" مستمرة. مجرد وقوع صدامات بهذا الحجم بعد ستة أشهر علي الانتخابات يشير إلي أن المجتمع الإيراني مجتمع حي وانه لا يمكن أن يقبل بالنظام القائم إلي ما لا نهاية. سقط النظام الإيراني في لعبة الأوهام. لم يتعلم شيئا من دروس التاريخ القريب. علي رأس الدروس أن ليس في الإمكان لعب ادوار علي الصعيد الإقليمي أو التحول إلي قوة اقليمية من دون قاعدة اقتصادية متينة ونظام سياسي يمتلك حدا أدني من المواصفات الحديثة. كان في استطاعة إيران أن تبني نفسها ومجتمعها واقتصادها بدل الدخول في لعبة الهروب المستمر إلي امام، اي إلي الخارج وتوظيف عائدات الثروة النفطية في الاستيلاء علي القضية الفلسطينية أو ارسال السلاح وشراء الأراضي في لبنان واستئجار هذا الطرف المسيحي أو غير المسيحي أو ذاك واستخدامه اداة في لعبة لا أفق سياسيا لها باستثناء التخريب من أجل التخريب... ليس ما يشير إلي النظام في إيران سيسقط غدا. لكن الأكيد أن إيران ستكون في الواجهة في السنة 2010. ملفها النووي سيظل حاضرا، لكن الأحداث الداخلية فيها تبدو وكأنها ستطغي علي كل ما عداها. مرة أخري سيتعرض الشرق الأوسط لهزة قوية... فيما العرب يتفرجون!