الحكومة الجديدة| مصادر: كامل الوزير وزيرًا للنقل والصناعة ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء    مصدر: حسن الخطيب وزيرا للاستثمار والتجارة الخارجية    مد فترة التسجيل لحضور مؤتمر «المصريين بالخارج» حتى 9 يوليو    وزير الزراعة يشكر الرئيس السيسي والعاملين بالوزارة متمنيا التوفيق للحكومة الجديدة    السيرة الذاتية للمهندس شريف الشربيني وزير الإسكان الجديد    في ظل الأمان والاستقرار.. أبرز مطالب أهالي الشرقية من الحكومة الجديدة    إذاعة الاحتلال: لواء "الجبال" أنهى تدريبات تضمنت شن هجمات على لبنان    المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: الإعصار المداري فريدي هو الأطول على الإطلاق    "لإنهاء إيقاف اللاعب".. مصدر ليلا كورة: النقاز يتوصل لاتفاق مع الزمالك    ساني: إسبانيا تلعب بأسلوب الضغط العالي وهذا يسبب مساحات يمكننا استغلالها جيدًا    عصام عبدالفتاح: كنت أعلم بعد رحيلي ستفشل المنظومة التحكيمية.. وطُلب مني الاستمرار دون عمل شاق    مصرع شابين أسفل عجلات القطار في بني سويف    نفوق 9 رؤوس ماشية.. السيطرة على حريق ب3 منازل في قنا    حمادة هلال يتعرض لوعكة صحية    أبطال فيلم عصابة الماكس يحتفلون بالعرض الخاص في الرياض    أحمد داود: نوع وقصة فيلم الهوى سلطان شدتني لهذا السبب    حمادة هلال يطمئن جمهوره بعد تعرضه لوعكة صحية: «أنا في نعمة كبيرة»    «الرعاية الصحية» تعلن عن برنامج للتنمية المستدامة للعاملين في القطاع    استمرار الدكتور خالد عبدالغفار في منصبه وزيرًا للصحة والسكان    طريقة عمل اللوبيا، لغداء بسيط وسريع التحضير    لمواليد برج القوس.. توقعات شهر يوليو 2024 «صحيا وعاطفيا وماديا»    تركي آل الشيخ: سعيد بتحقيق «ولاد رزق 3» إيرادات كبيرة داخل مصر    قصور الثقافة تقدم أنشطة متنوعة في احتفالات 30 يونيو ببورسعيد    ⁠جلسة تصوير جديدة ل أصالة باستخدام الذكاء الاصطناعي (صور)    تعرف على أسماء ضيوف «بيت السعد» ل عمرو وأحمد سعد.. من إخراج محمد سامي    رئيس جامعة أسيوط يفتتح معارض أقسام كلية التربية النوعية والحفل الموسيقي السنوي    ما حكم الهدايا بعد فسخ الخطوبة؟.. أمين الفتوى يوضح ما يُرد وما لا يُرد (فيديو)    تنسيق القبول بالمدارس الثانوية الفنية الصناعية فى الجيزة.. تعرف على الشروط والأوراق المطلوبة    الشباب السعودي يقترب من ضم أوباميانج خلال الميركاتو الحالي    برلماني يطالب الحكومة الجديدة بترتيب الأولويات لتحقيق الرضا الشعبي    الكشف والعلاج مجانًا.. فحص 432 مواطنًا في قافلة طبية بالجمرك غرب الإسكندرية (صور)    نائب رئيس الصومال يستعرض تجربة بلاده من الحرب للتنمية بمنتدى أسوان    بالفيديو.. "المرصد الأورومتوسطي": المساعدات التي تدخل قطاع غزة لا تكفي حاجة المدنيين    تراجع معدل البطالة في إسبانيا بشكل حاد في يونيو    بيرهالتر بعد وداع كوبا: أنا المدرب المثالي لأمريكا    ضبط سيدة بالإسماعيلية لإدارتها كيان تعليمى بدون ترخيص    فاينانشيال تايمز: ماكرون المنعزل يُكافح لمعرفة ما يخبئه له المستقبل    السجن المشدد 10 سنوات لعاطل بمدينة أبو زنيمة بجنوب سيناء    تحرير 137 مخالفة عدم الالتزم بقرار غلق المحلات خلال 24 ساعة    آلام الولادة تفاجئ طالبة ثانوية عامة داخل لجنة الامتحان بالفيوم    موعد صيام عاشوراء 2024 وفضله وحكمه في الإسلام    هشام طلعت مصطفى: استثمارات مشروع ساوث ميد مع الدولة تعادل 21 مليار دولار أمريكي    استمرار الارتفاع.. الأرصاد تكشف حالة الطقس وبيان درجات الحرارة المتوقعة    الكومي: بيريرا مستمر حتى نهاية تعاقده.. وأخطاء التحكيم أثرت على نتائج 8 مباريات فقط    موقف سيف الجزيري من اللحاق بلقاء الزمالك وفاركو    قطار سياحي فاخر.. أبرز المعلومات عن «حارس النيل» قبل إطلاقه في مصر    وزير الإنتاج الحربي يتابع إقامة أول محطة بمصر لتحويل المخلفات الصلبة إلى طاقة كهربائية -تفاصيل    الحكومة الجديدة، تغيير شامل ودمج وزارات واستحداث أخرى    لتنفيذ التوصيات.. رئيس «الشيوخ» يحيل 17 تقريرًا إلى الحكومة    عاجل| شؤون الأسرى: ارتفاع حصيلة الاعتقالات بالضفة لنحو 9490 معتقلا منذ 7 أكتوبر    بمناسبة ذكرى 30 يونيو.. جهود الأكاديمية الوطنية للتدريب فى NTA Podcast قريبا    القناة 12 الإسرائيلية: تقديرات في الجيش باستمرار عملية رفح 4 أسابيع أخرى    14 وفاة و6 ناجين.. ننشر أسماء ضحايا عقار أسيوط المنهار    مأمورية خاصة لنقل المتهمين بقتل طفل شبرا الخيمة    الحوثيون يعلنون تنفيذ أربع عمليات عسكرية نوعية استهدفت سفنا أمريكية وبريطانية وإسرائيلية    الأزهر يعلن صرف الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري اليوم    تصعيد مفاجئ من نادي الزمالك ضد ثروت سويلم    «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر فى السودان: غيبة أم غيبوبة؟
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 06 - 2010

إذا أردت أن تشير إلى نموذج للإخفاق فى السياسة الخارجية وإهدار مقومات أمن مصر القومى فما عليك إلا أن تقلب صفحات ملف العلاقات المصرية السودانية فى العقود الثلاثة الأخيرة.
1
السودان يمر بمرحلة عصيبة من تطوره المعاصر.. ومصر أيضا تمر بمرحلة حرجة.. وكلا البلدين مثقل بأعبائه وديونه الخارجية، وسط ضرورات للدفاع والأمن القومى لا مفر من الوفاء بها.
وفى خضم هذه الظروف، تكون الحاجة للتنسيق والتعاون مع أقرب الأقربين ضرورة حياة أو موت، وليس ترفا أو تزيدا «ص9»، إن هموم السودان هى هموم مصرية، وإن هموم مصر هى هموم سودانية، الأمر الذى يستدعى البحث فى جوهر العلاقات المصرية السودانية، التى ستظل هى الأصل، وهى الجوهر والأساس.. لقد حان الوقت لتدعيم الوجود المادى المتبادل لكل من مصر والسودان، ذلك الوجود القادر وحده على اختزال المسافة بين القاهرة والخرطوم.
والقادر وحده على خلق الترابط الفكرى وخلق المصالح الجوهرية المحسوسة فى لغة المال والاستثمار والمنفعة، وعلى معايشة المواطن المصرى والمواطن السودانى لنتائج التعاون الوثيق بين الدولتين «ص16». لماذا يظل طريق الاتصال الشعبى (بين مصر والسودان) طريقا ذا اتجاه واحد.
فالمواطن السودانى هو الذى يزور مصر. والوزير السودانى هو الذى يحضر للاجتماع فى مصر. والنقابى السودانى هو الذى يسعى للقاء زملائه فى مصر، وتتوقف الحركة على هذا الطريق فى الاتجاه الآخر؟ لماذا تنتهى كثير من هذه الزيارات بإحساس لدى السودانى أن التعامل معه يتم من منطلق التعالى تارة وسوء المعاملة تارة أخرى، منذ أن يقف أمام ضابط الجوازات؟ وبالمقابل لماذا يولد لدى المصرى شعور بأن السودانى يتميز بحساسية مفرطة؟ لماذا يتخذ التعامل بين الحكومات دائما طابع حماية الأنظمة لا حماية الأوطان؟ ولماذا فشلنا فى تحديد الصلة الشعبية وركزنا سعينا على الصلة الحكومية؟ لماذا تتوتر العلاقة الشعبية كلما شاب التوتر علاقة الحكومات؟ «ص 22»
رغم وجود الإحساس بأهمية النيل كشريان للحياة فى مصر، فإن فكرة تأمين منابعه كأحد شرايين الأمن القومى المصرى لم تكن متبلورة كما هى عليه الآن، لأنه لم يكن واردا أن هناك قوة تستطيع أن تحد من كمية أو تؤثر فى نوعية المياه المتدفقة إلى مصر.. لكن يظل حرص مصر على تأمين حدودها الجنوبية وضمان وجود قوة صديقة أو موالية فى المنطقة المتاخمة لها من ناحية الجنوب، أحد المبادئ الأساسية لتحقيق أمنها.
وأدركت الحكومات المتعاقبة على حكم مصر أهمية ذلك، فكان الارتباط على مر التاريخ بين مصر والسودان.. إن ذراعا مهمة للأمن المصرى تمتد فى أفريقيا حيث منابع النيل. ذلك أنه من شأن أى تهديد لتدفق مياه النيل أن يمثل تهديدا أساسيا لمصر. ومن هنا فعلاقة مصر بالبلدان المكونة لحوض النيل يجب أن يكون أساسها الود والتنسيق والتعاون «ص32»
إن عبدالناصر لم يكن غريبا على السودان. ولم يكن غريبا على أوبوتى فى أوغندا. أو كينياتا فى كينيا أو نيريرى فى تنزانيا «كما كانت علاقاته طيبة مع هيلاسلاسى فى إثيوبيا» لذلك كانت الدعوة للتعاون العربى الأفريقى تحمل فى داخلها دعوة للتعاون بين دول حوض النيل. ومما لا جدال فيه بين الاقتصاديين والأمنيين أن النيل من منبعه إلى مصبه يمثل وحدة إقليمية لا تؤثر فيها الحدود السياسية. وقد خرج من هذه الدول مشروع دولة وادى النيل الكبرى. بهدف تقوية التعاون والتقارب لكى يستفيد كل من يعيش حول النيل من مياهه. «ص 34»
2
صدق أو لا تصدق، هذا الكلام عمره أكثر من عشرين عاما، إذ هو موثق فى كتاب من 700 صفحة أصدره مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد «جامعة القاهرة» بالتعاون مع شعبة العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية فى جامعة الخرطوم.
وكانت الجهتان قد نظمتا ندوة فى القاهرة حول العلاقات المصرية السودانية فى منتصف شهر مايو عام 1989، اشترك فيها 26 باحثا من الطرفين. والفقرات التى أوردتها بمثابة نقطة فى بحر الكلمات والأوراق التى قدمت فى الندوة، وتم خلالها بحث العلاقات المصرية السودانية من مختلف أوجهها. وقد اتسم ذلك البحث بالصراحة والموضوعية بعيدة المدى.
بطبيعة الحال لم تكن تلك الندوة فريدة فى بابها. ورغم أنها من أهم الندوات التى عالجت عناوين ملف العلاقة بين البلدين، إلا أنها لم تكن الوحيدة، وإنما سبقتها وتلتها ندوات وحوارات أخرى قتلت الموضوع بحثا. الأمر الذى يعنى أن الباحثين على الجانبين أنفقوا وقتا طويلا فى تشخيص تلك العلاقة، بحيث لم يعد لأى طرف عذر فى الادعاء سواء بأنه لم يكن يعرف أو أنه فوجئ بأى تطور لاحق فرض نفسه على عناوين الصحف وصدارة نشرات الأخبار.
وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأن ملف العلاقات المصرية السودانية يعد نموذجا لحالة كثر فيها الكلام وندر الفعل. ذلك أن كل ما دار حولها من مناقشات أو قدم من أوراق لم يؤخذ على محمل الجد. وإنما تم التعامل معه بحسبانه «ثرثرة» تبخر أثرها بعد انفضاض المجالس والندوات، وعودة كل طرف إلى عاصمته.
إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية (منتصف أربعينيات القرن الماضى) كانت وحدة وادى النيل أحد العناوين المهمة فى الساحة السياسية المصرية. وفى الخمسينيات ونحن طلاب فى الثانوى كانت مظاهراتنا تهتف: مصر والسودان لنا، وإنجلترا إن أمكنا. وفى المرحلة الناصرية التى حصل السودان خلالها على استقلاله «عام 1956»، ظلت العلاقات هادئة نسبيا باستثناء التوتر الذى خيم عليها بسبب ثورة أكتوبر «عام 1964». إذ وقع الطرفان اتفاقية الانتفاع بمياه النيل عام 59، التى زار الرئيس عبدالناصر السودان بعدها مباشرة «عام 1960». كما وقعا اتفاقية الدفاع المشترك عام 1976.
فى المرحلة الساداتية ظلت العلاقات مع الخرطوم على تحسنها النسبى فى ظل حكم الرئيس جعفر نميرى، الأمر الذى أدى إلى توقيع ميثاق «التكامل» بين البلدين، «عام 1982»، فى بداية حكم الرئيس مبارك. وبعد إسقاط حكم نميرى عام 1985 وتولى الصادق المهدى رئاسة الحكومة، تم فى عام 1987 توقيع ميثاق «الإخاء» بين البلدين، بديلا عن «التكامل».
ورغم أن ميثاق التكامل أنشأ عدة مجالس وهياكل بين البلدين، إلا أن ذلك كله تعطل بالانقلاب على النميرى، الذى كان فى زيارة لمصر وأصبح لاجئا سياسيا فيها، مما أسهم فى تعكير العلاقات بين القاهرة والخرطوم.
لم يغير ميثاق الإخاء من الجمود المخيم على علاقات البلدين فى تلك المرحلة. وقد استمر الجمود بعد انقلاب الفريق عمر البشير فى عام 1989، الذى كان يقف وراءه الدكتور حسن الترابى، وبعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك فى عام 1995، التى قيل إن بعض عناصر السلطة فى الخرطوم كانوا ضالعين فيها، تدهورت العلاقات أكثر فأكثر، وترتب على ذلك أن سقط السودان والقارة الأفريقية كلها من أجندة الاستراتيجية المصرية. وكان ذلك «الانسحاب» منسجما مع أجواء خروج مصر من المشهد العربى التى خيمت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979.
فى هذا الصدد سجل محجوب محمد صالح رئيس تحرير جريدة «الأيام» السودانية فى ورقة قدمها إلى ندوة العلاقات التى عقدت فى عام 1989، استنادا إلى شهادة أحمد حمروش أحد الضباط الأحرار فى مصر، أن التعامل مع السودان ظل مقصورا على مؤسسة الرئاسة فى مصر، وليس عبر القنوات المتعارفة للتعامل مع الدول الأخرى، إذ يغلب عليها الطابع الأمنى، بحيث أصبحت السياسة تجاه السودان تحددها التقارير الأمنية أكثر مما تحددها قراءة الواقع السياسى أو التحليل السياسى.
3
فى ظل تراجع الدور المصرى فى العالم العربى، أصبحت مصر الغائب الأكبر عن السودان. هذه العبارة سمعتها من الدكتور حسن مكى مدير جامعة أفريقيا العالمية فى الخرطوم. وقد عبر عن ذات المعنى مقالة نشرتها جريدة الصحافة «عدد 20/5/2010» كان عنوانها تراجع الدور المصرى فى السودان. ومما قاله كاتبها خالد سعد «أن مصر لم تعد من الدول الرئيسية التى تستطيع التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر فى الشأن السودانى. وبات الوجود المصرى فى البلاد مجرد ذكرى يحن إليها كل من عمل فى الرى أو درس فى البعثات المصرية القديمة».
ونقل الكاتب عن أحد أساتذة العلوم السياسية بالسودان، الدكتور عبدالرحمن خريس أن التأثير المصرى فى المنطقة كلها قد خفت، بحيث لم تعد مصر قادرة على منافسة الدور الأمريكى أو الإسرائيلى فى أفريقيا، بعدما تعاظم دور الدولتين فى ظل غياب القاهرة. مما ذكره الدكتور خريس أيضا أن تفريط مصر فى علاقاتها الأفريقية أضر بمصالحها، خصوصا فى عهد الرئيس مبارك «الذى أهمل كثيرا فى دور بلاده حتى صارت الولايات المتحدة هى البوابة التى تدخل منها مصر إلى المنطقة الأفريقية».
لقد كان التعليم مثلا من أهم الساحات غابت عنها مصر. إذ منذ أربع سنوات أعلن عن إقامة فرع لجامعة الإسكندرية فى جوبا عاصمة الجنوب، لكن المشروع لم ير النور إلى الآن. ومنذ ست سنوات «فى عام 2004» تم الاتفاق على إقامة جامعة القاهرة فى السودان بمواصفات معينة، وخصصت الأرض للمشروع بالخرطوم وتم بناء المبنى الإدارى، وكان مقررا أن تفتتح فى شهر أغسطس من العام الماضى «2009» ولكن المشروع لم ير النور بدوره.
«تجلى التقاعس والتراخى المصرى فى التعامل مع السودان فى قصة دعوة شيخ الأزهر السابق، الشيخ محمد السيد طنطاوى، لزيارة الخرطوم قبل 3 سنوات. فقد وجه إليه الدعوة الدكتور حسن مكى رئيس الجامعة الأفريقية العالمية، فرد عليه مكتب شيخ الأزهر برسالة ذكرت أن الشيخ فى مقام رئيس الوزراء، وينبغى أن توجه إليه الدعوة من نظير له.
ولأنه لا يوجد فى النظام السودانى رئيس للوزراء فإن مستشار الرئيس للشئون الدينية الدكتور أحمد على الإمام وقع خطاب الدعوة وأرسلها إليه فلم ترد القاهرة. وحينذاك أرسل إليه الدكتور مصطفى عثمان مستشار الرئيس دعوة ثالثة، فلم يرد عليها، ومات الرجل دون أن تطأ قدمه أرض الخرطوم، ولم يعرف للأزهر حضور فى السودان.
4
فى ظل غياب مصر أو غيبوبتها تواجه مصر الآن مأزقا من شقين، أحدهما يتعلق بدعوة دول المنبع إعادة النظر فى توزيع حصص مياه النيل، والثانى يتمثل فى احتمال انفصال جنوب السودان عن شماله، فى استفتاء تقرير المصير الذى يفترض أن يتم بعد ستة أشهر (فى شهر يناير المقبل)، وهو مأزق كان بوسعنا أن نتجنبه لو أن الصورة التى كانت مرئية منذ عشرين عاما أخذت على محمل الجد، وتم الاستعانة بها فى وضع استراتيجية وسياسة بعيدة المدى تليق بدولة كبيرة ومؤثرة مثل مصر، لكنها حين تراجعت صغرت، وحين صغرت هانت، ووقعت الآن فى حيص بيص، حتى صار شاغلها هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بما يرمم الهيبة ويستر العورة.
لقد تحدث كثيرون عن موضوع إعادة توزيع حصص مياه النيل. وفهمنا أنه أمر خطير حقا لكنه ليس عاجلا، لكن مسألة انفصال جنوب السودان التى تلوح فى الأفق الآن لم تلق ما تستحقه من تنبيه واهتمام، ولا تزال تعامل بالتراخى وعدم الاكتراث الذى أصبح من سمات الدور المصرى الباهت فى السودان، رغم ما تمثله من تهديد لأمن مصر.
لقد سبق أن تحدثت عن المخططات الغربية والإسرائيلية التى تستهدف تمزيق السودان، والتى يراهن بعضها على انفصال جنوب السودان، خصوصا اتحاد شرق أفريقيا.
وهو المشروع الاستعمارى الذى طرحته بريطانيا فى القرن الماضى، ليضم كينيا وأوغندا وتنزانيا وربما جنوب أفريقيا، لكى يكون عازلا بين العرب والأفارقة. وفى هذه الحالة فإن مناطق أحواض الأنهار التى راهنت مصر على زيادة حصتها المستقبلية منها لمواجهة احتياجات الزيادة السكانية، ستكون كلها فى الجنوب وخارج سيطرة الشمال، ذلك أن مصر بحاجة إلى عشرة ملايين متر مكعب من المياه خلال السنوات العشر القادمة، ويتعين عليها أن تدخل فى مفاوضات مع «دولة الجنوب» المفترضة وأن تخضع لشروطها لكى تحصل على ما تريد، علما بأن تلك الدولة الضعيفة ستكون معتمدة على الولايات المتحدة وإسرائيل بالدرجة الأولى. وللبلدين حضور قوى الآن فى الإقليم.
إن نخبة الشمال لديها كلام كثير عن تأثير الانفصال على مصر، وقد علمت أن هذا الكلام نقل إلى القاهرة التى زارها مؤخرا وقد حذر من مغبة هذا الاحتمال، والسؤال الذى يحيرهم وسمعته على لسان أكثر من واحد منهم هو: ماذا تنتظر مصر ولماذا تقف متفرجة على ما يجرى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.