لا ينكر أحد أن الدين مكون أساسي في حياة الإنسان لا سيما في منطقتنا العربية وهذا ما نراه اليوم علي ساحة الأحداث اليومية فكلما تظهر مشكلة ما في الأفق سريعا ما نربطها بالدين وندعو إلي ضرورة تجديد الخطاب الديني.. وهكذا ولو تطلعنا من حولنا نجد أن فكرة الدولة الدينية أي دولة يحكمها رجال الدين يضعون دستورها علي أسس دينية مستمدة من أحد الكتب السماوية وطبقا لتفسيرات من يروق لدعاتها وهي دولة تحكم باسم الدين ولا تفصل بين الدين والسياسة أو الدولة ويمكن أن تحكم الدولة والمجتمع مذهبياً حسب مذهب الحاكم أو السلطة وترفض القانون الوضعي وأي تشريع وضعه البشر وتحتكم إلي النص المقدس وبعض أنواع حكم الدولة الدينية تبيح الاجتهاد وبعضها لا تسمح به الدولة الدينية لا تسمح بالديمقراطية لأنها لا تعني الشوري التي تؤمن بها ولكل فرقة أو مذهب مفهومه وممارسته الدينية التي تختلف أو تتقاطع مع الآخر وعبر التاريخ لم تحقق الدولة الدينية أي نجاحات لا في الشرق ولا في الغرب ولا في دول أخري في القارة الآسيوية سادت فيها البوذية أو الشيوعية أو غيرهما. ولو بدأنا بالشرق حيث الأغلبية المسلمة وكما يقول الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون الدولي: إذا تطرقنا للدولة الإسلامية نجد أن عدد المسلمين في العالم يصل إلي نحو البليون والثلاثمائة مليون نسمة يعيش بليون منهم في أربع وأربعين دولة ذات أغلبية إسلامية أما الباقون فيعيشون في دول غير إسلامية ومن هؤلاء الذين يعيشون في دول إسلامية يعيش 28٪ منهم في بلدان عشرة تعلن دساتيرها أن الدولة بها هي دولة إسلامية وهذه الدول هي أفغانستان والبحرين وبروناي وإيران والمالديف وموريتانيا وعمان وباكستان والمملكة العربية السعودية واليمن، منها خمس دول عربية وفضلا عن ذلك ثمة اثنتا عشرة دولة أخري نصت دساتيرها علي أن الإسلام دين الدولة دون أن ينعكس ذلك علي طبيعة النظام السياسي في الدولة وهذه الدول هي الجزائر وبنجلاديش ومصر والعراق والأردن والكويت وليبيا وماليزيا والمغرب وقطر وتونس والإمارات أغلبها دول عربية أي أن اثنتين وعشرين دولة يعيش بها ما يقرب من 58٪ من مسلمي الدول الإسلامية 600 مليون نسمة ربطت بين الدين والدولة علي نحو ما في دساتيرها علي الجانب المقابل نجد ثمة إحدي عشرة دولة تعيش بها أغلبيات مسلمة نصت دساتيرها صراحة علي أن الدولة بها هي دولة علمانية ذات الأغلبية المسلمة قرابة مائة وأربعين مليونا من السكان وتشمل بوركينا فاسو وتشاد وغينيا ومالي والنيجر والسنغال وأذربيجان وكيرجستان وطاجيكستان وتركمانيا لا توجد بين هذه الدولة دولة عربية واحدة وتبقي بعد ذلك إحدي عشرة دولة أخري من بين الدول ذات الأغلبية الإسلامية لم تتضمن دساتيرها أي إشارة إلي الطابع الديني أو الطابع العلماني للدولة ومن هذه الدول ألبانيا ولبنان وسوريا وجزر القمر وجيبوتي والصومال وغيرها وتضم هذه المجموعة الأخيرة دولة إندونيسيا التي هي أكبر الدول الإسلامية في العالم حيث تضم 250 مليون مسلم ولقد أثبتت التجربة فشل الدولة الدينية كما حدث مع حسن الترابي الذي فشل في تحويل السودان إلي دولة دينية من خلال تكوينه للجبهة الإسلامية القومية عام 1986 والأحداث التي تلتها حتي يومنا هذا كذلك فشلت إلي حد ما التجربة الإيرانية ولعل الاحتجاجات الجماهيرية علي نتائج الانتخابات الأخيرة هناك ورد الفعل العنيف للسلطات الإيرانية ضدها وما صاحبه من قمع للمظاهرات واعتقالات وسقوط ضحايا وفرض تعتيم إعلامي شامل وطرد للمراسلين وإسكات للإعلاميين ثم اتهام الدول الغربية بالتدخل في الشأن الداخلي وقيام السلطات باعتقال 8 من موظفي السفارة البريطانية بطهران هذه الاحتجاجات كلها وذلك الأسلوب في التعامل من قبل النظام الإيراني يطرحان تساؤلات مهمة لدي المتابعين والباحثين في قضايا الإسلام السياسي والشأن الديني عامة حول علاقته بإشكالية الحكم السياسي ودور علماء الدين في السلطة السياسية وأيضا هناك تجربة حزب العدالة في تركيا التي تحاول أن تجمع ما بين الدولة المدنية والدولة الدينية أيضا ما زالت أمامنا حتي اليوم تجربة حماس في قطاع غزة وهناك التجربة الأفغانية والباكستانية وغيرها. وعلي الجانب الآخر نجد أن الفكر المسيحي قد بدأ التحرر في الغرب حينما تخلصت الكنيسة من قبضتها علي الحكم المدني وسيطرتها علي عقول وأفكار البشر وتفرغت لخدمة الإنسان أياً كان وفي أي مكان واليوم ومع تكرار التجربة بشكل آخر نجد أن جورج بوش الابن وفي خلال فترتي ولايته منذ يناير 2002 وحتي يناير الماضي قد فشل فشلاً ذريعا حينما حاول أن يستخدم ورقة الدين كركيزة لأفعاله وتبنيه لفكرة صراع الحضارات والأديان التي نادي بها صموئيل هنتنجتون من خلال الفكرة التي سيطرت علي عقله التي تنادي بفرض الهيمنة الأمريكية علي العالم واستخدامه للعديد من المفردات الجديدة مثل الحرب الاستبقائية ومحور الشر وغيرهما وحروبه في العراق وأفغانستان بدعوي محاربة الإرهاب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أيضا نجد أنه في عام 1985 أقر الكنيست الإسرائيلي بأغلبية ساحقة قانونا دستوريا غير قابل للنقض يقضي بإلغاء برنامج أي حزب يعارض مبدأ الدولة اليهودية ولو بحثنا في التعريف الإسرائيلي لمصطلح اليهودي نجد أن إسرائيل بحسب هذا التعريف هي ملك لأشخاص تعرفهم السلطات الإسرائيلية كيهود بصرف النظر عن المكان الذي يعيشون فيه وتعود أي إسرائيل إليهم وحدهم أما من ناحية أخري فإسرائيل كدولة يهودية لا تعود لمواطنيها من غير اليهود الذين تعتبر مكانتهم لديها مكانة دونية علي الصعيد الرسمي نفسه ومن المفارقات أن المسيحيين إذا اقترحوا علي سبيل المثال تحويل الولاياتالمتحدةالأمريكية إلي دولة مسيحية تعود فقط لمواطنين يعرفون رسميا بأنهم مسيحيون لو حدث ذلك فإن اليهود هناك سوف يعتبرون ذلك معاداة للسامية!! وبحسب القانون الإسرائيلي يعتبر الشخص يهوديا إذا كانت والدته أو جدته أو جدته لأمه أو جدته لجدته يهودية في ديانتها أو إذا اعتنق الشخص الديانة اليهودية بطريقة ترضي السلطات الإسرائيلية ولكن بشرط ألا يكون هذا الشخص قد تحول في وقت من الأوقات عن اليهودية واعتنق ديانة أخري، واليوم تحاول إسرائيل تفعيل هذا القانون من خلال تأكيدها ضرورة اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية وربطها ذلك بالموافقة علي البدء في إجراء مباحثات سلام مع الفلسطينيين. من هنا تتضح خطورة ما نسميه بالدولة الدينية التي لا تري إلا عقيدة واحدة ولا تؤمن إلا باختيار واحد ولا تحترم إلا الإنسان الذي يؤمن بها. الدين هو رسالة مقدسة تحترم الإنسان وفكره وعقله.. تحترم حريته ومشاعره فالله هو واحد قبل الأديان وبعد الأديان لا يحتاج إلي دولة تدافع عنه، أما تلك الدعوة فهي من أجل السلطة والمال وليست من أجل الله الذي خلق الإنسان وأوجد الأديان.