في الوقت الذي رفضت فيه النيابة العامة في إسرائيل نشر أسماء الأسري الفلسطينيين المزمع الإفراج عنهم (يقال إن عددهم 980 أسيرًا) في صفقة تبادل الأسري مع الجندي الأسير جلعاد شاليط لأن النشر يضر بالعملية ويدفع الطرفين للتشدد استجابة لضغوط الرأي العام لدي كل منهما، واصلت وسائل الإعلام التكهن بأن مروان البرغوثي القيادي الفتحاوي سيكون من بين المُفرَج عنهم وتوقعت إحداها أنه سيخرج من السجن "إلي رئاسة السلطة الفلسطينية". صفقة إطلاق الجندي الأسير في إطارها الحالي ليست أمنية بحتة ولا سياسية مطلقة، إنها تقع لأول مرة - في رأي العديد من التقارير - بين المستويين، لصالح ما بعد تنفيذ بنود الصفقة وجني ثمارها. لذلك تتنبأ بعض التقارير الداخلية أن يقوم عدد من السجناء الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم "بتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل". وتتوقع تحليلات أخري أن يشجع إتمام الصفقة علي "تكرار عملية الاختطاف" في ظل النتائج الايجابية التي سيحصل عليها الطرفان الفلسطينيان فتح وحماس.. لذلك تعترض بعض القوي السياسية في إسرائيل علي الصفقة من منطلق أنها بمقدماتها التي أميط اللثام عنها حتي الآن تمثل "ضعفاً إسرائيلياً" ما كان يجب ان تسمح الحكومة بظهوره علي السطح من ناحية، ولا أن توافق علي استغلاله إلي هذه الدرجة. يتوقع الكاتب آري شيفت ( هاآرتس 26 نوفمبر) أن المفرج عنهم مقابل إعادة جلعاد إلي بيته " سيقومون بعمليات اغتيال سيروح ضحيتها العشرات وربما المئات من أبناء الشعب الإسرائيلي" .. أما المحلل السياسي روبيك روزنال فيقول في معاريف إن الإفراج عن مئات السجناء ليس شرطاً لكي تتجدد المواجهات الدموية ولا أن تتكرر عمليات الاختطاف "لأن الساحة الفلسطينية معبأة بما فيه الكفاية". من ناحية أخري فتحت الصفقة باباً للتساؤل حول جدوي التواصل من ناحية مع حماس عن طريق طرف ثالث لإطلاق سراح شاليط "وعدم الاعتراف بها من ناحية ثانية كطرف له وزنه فيما يتعلق بملف الصراع مع القوي الفلسطينية ". لذلك طالب جدعون ليفي (هاآرتس 26 نوفمبر) بأن تبدأ إسرائيل فور اتمام الصفقة "فصلاً جديداً مع حماس " يقود إلي مفاوضات " تؤدي إلي تحقيق خطوات عملية في مجال ترسيخ وتعميق التهدئة القائمة معها منذ أحد عشر شهراً". يمكن القول إن ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية طوال الأسبوعين الماضيين يميل إلي مطالبة حكومة نتانياهو باستغلال تجربة تفاوضها الناجحة مع حماس " لإطلاق سراح شاليط كقيمة يهودية مطلقة" لكي تُطور تجربة الهدنة المؤقتة إلي مرحلة سلمية متكاملة بين الطرفين "خاصة إذا كان قائد تنظيم فتح في رام الله مروان البرغوثي بين المفرج عنهم"، لأن محاولات الإجهاز علي تنظيم وحكومة حماس في القطاع "لم تتحقق بعد محاولات مستميتة، بل يمكن القول إن جميع مخططات الاسقاط المادي والمعنوي أدت إلي تقويتها وتوسيع نفوذها داخل الضفة". ماذا يتوقعون من مروان البرغوثي (إذا أفرج عنه). يري البعض أن صفقة الإفراج عنه ستقود إلي تأثيرات استراتيجية في ميزان القوي الفلسطينية علي المستوي الداخلي خصوصاً في مسار التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية.. لأن عودته إلي الميدان من ناحية ستحبذ الموافقة الشعبية علي قبول استقالة محمود عباس (أعلن يوم 5 نوفمبر انه لن يترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة )، وستساهم في الإسراع بإتمام أسس المصالحة مع منظمة حماس .. وبالتالي سيكون الطريق ممهداً له لكي يتولي رئاسة السلطة الفلسطينية. تقول مصادر الأمن الإسرائيلية إنه يحظي بتأييد شعبي كبير ومتعدد التوجهات، ولا يوجد من هو قادر علي منافسته علي منصب رئيس السلطة بين مرشحي فتح وبين مرشحي المنظمات الجهادية .. وبالرغم من أن عددًا من قيادات فتح - كما تقول هذه التقارير - لا يرحب بالإفراج عنه بعد أن نجحوا في إبعاد الكثير من مؤيديه عن الفوز بمناصب علي مستوي قيادة الحركة، إلا أنها تميل إلي القول إن علاقته الجيدة بحماس ستوفر له فرصة أوسع للتحالف معها خاصة بعد أن قال - البرغوثي - في مقابلة صحفية (11/19 ) إنه ما زال مؤيداً للمقاومة المسلحة إلي جانب التفاوض الدبلوماسي " الأمر الذي يجعله يبدو أكثر تشدداً من عباس وأقل تطرفاً من مشعل ". مروان البرغوثي الذي تقول أجهزة الأمن الإسرائيلية إن كتائب شهداء الأقصي تحولت تحت قيادته إلي " تنظيم إرهابي " أدين بخمس علميات قتل ومحاولة قتل، وحكم عليه بالسجن المؤبد التراكمي بالإضافة إلي أربعين سنة أخري. الجدير بالإشارة هنا أن المحلل الإسرائيلي يهودا ليطاني كتب منذ عام ونصف العام في صحيفة يديعوت (18 مايو 2008) تحت عنوان "البرغوثي هو الوحيد القادر علي منع سيطرة حماس علي الضفة" إن الجهات السلطوية العليا في الدولة أدركت بعد ست سنوات من وضع البرغوثي خلف القضبان أنه هو وحده القادر علي منازلة محمود عباس وعلي عقد صفقة مع إسرائيل، لأن أي بديل لأبومازن سيكون أقل شعبية منه وبالتالي أقل قدرة علي "القيام بدور فعال لوقف سيطرة حماس علي الضفة". ويقول الكاتب إن المحادثات التي أجرتها أطراف يسارية إسرائيلية مع البرغوثي في سجن " هداريم " بعد أن نجح في تقديم صياغات عدة لاتفاقات وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطينيين المتنازعين وبينهما وبين الطرف الإسرائيلي، تؤكد أنه يدعم بقوة" اتفاق سلام وتهدئة مع إسرائيل". ويعتبر ذلك - من وجهة نظره يهودا ليطاني- مكسباً استراتيجياً لإسرائيل " لأنه يوقف خطر تحول الضفة إلي قاعدة إيرانية علي مرمي حجر من القدس ومن مطار بن جوريون ومن تل أبيب".