لا يتعلق الموضوع بالتنظير واطلاق الشعارات الكبيرة تحت غطاء المقاومة والممانعة. ولا يرتبط الأمر بهما لا من قريب أو بعيد. الموضوع يتعلق بدور لبنان. هل هو منارة للمنطقة ومعلم من معالمها الحضارية. هل بيروت مدينة علم وثقافة وحوار حضاري بين الثقافات ومكان تصدر منه كتب وترجمات... أم أن علي لبنان أن يدفع ثمن التقصير العربي في كل المجالات؟ هل عليه أن يكون مجرد ورقة تستخدمها إيران في لعبة لا تصب في النهاية سوي في مساومات تستهدف التوصل إلي صفقة من هنا وأخري من هناك مع إسرائيل أو مع الإدارة الأمريكية علي حساب لبنان واللبنانيين وكل ما هو عربي في المنطقة؟ والمقصود بالعربي هنا، العروبة الحقيقية المنفتحة علي العالم وعلي التنوع وثقافة الحياة والتسامح. انها عروبة الشهيد رفيق الحريري وباسل فليحان وكل الشهداء الآخرين علي رأسهم الأخ والصديق سمير قصير الذي كان يعرف القيمة الحقيقية لبيروت وأهميتها، علي الصعيد الإقليمي عموما ومقاومتها لإسرائيل وفكرها المتزمت والمتخلف خصوصا. ذهب سمير قصير ضحية رفضه الأنصياع لإملاءات النظام الأمني المشترك السوري- اللبناني الذي سعي إلي الغاء لبنان وكل ما هو حضاري فيه وكل ما له علاقة بالحضارة والتقدم في سوريا نفسها وحتي في فلسطين. هذا النوع من الأسئلة الحقيقية هو ذلك الذي لم يجب عنه الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي الذي تلا فيه الوثيقة السياسية الجديدة ل"حزب الله". أقل ما يمكن قوله في هذه الوثيقة إنها لا تطمئن أي لبناني ولا تطمئن خصوصا اهل الجنوب بكل طوائفهم ومشاربهم السياسية، هم الذين عانوا طويلا من السلاح غير الشرعي. السلاح الفلسطيني أوّلا ثم سلاح "حزب الله" الذي جاء بهدف واحد وحيد هو تكريس لبنان "ساحة" بدل أن يكون وطنا لأبنائه، كل أبنائه. كان لبنان المستقل منذ العام 1943 موجودا قبل بدء الحرب الباردة. وبقي لبنان بعد انتهاء هذه الحرب. لم يتأثر بها ولا بانتهائها. لكن الأحداث اثبتت أن السياسة التقليدية للبنان التي أملت عليه عدم المشاركة في حرب العام 1967 كانت السياسة الصائبة. خسر العرب الحرب بسبب المزايدات. خسر الأردن الضفة الغربية ومعها القدس بسبب المزايدات العربية الفارغة من أي مضمون. كل ما يمكن قوله عن خطاب الأمين العام ل"حزب الله" إنه مزايدات بمزايدات لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بما يدور حقيقة علي الأرض حيث الغرائز المذهبية، التي اثارها وجود سلاح "حزب الله" الموجه إلي صدور اللبنانيين الآمنين، سيدة الموقف للأسف الشديد. لو انتصر "حزب الله" فعلا في حرب صيف العام 2006 لما كان علي لبنان القبول بالقرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن. لقد وافق "حزب الله" علي كل حرف في القرار 1701 الذي يتناقض كليا مع ما تدعو اليه الوثيقة السياسية الجديدة ل"حزب الله". ولذلك، يبدو ضروريا التعاطي مع الشأن اللبناني بحد ادني من الموضوعية بدل التذرع بالطائفية لتفادي الإعتراف بنتائج الانتخابات النيابية التي جرت في السابع من - يونيو الماضي... ولتفادي الإعتراف بالنتائج الحقيقية لحرب صيف العام 2006. كانت تلك النتائج كارثة علي لبنان واللبنانيين. كانت انتصارا ل"حزب الله" وما يمثله سوريا ولبنانيا علي لبنان بدل أن يكون هناك، للأسف الشديد، انتصار علي العدو الإسرائيلي. لا وجود لشيء اسمه ديمقراطية توافقية. لماذا قبل "حزب الله" خوض الانتخابات النيابية اذا كان يرفض مسبقا الإعتراف بأنه ستكون هناك أكثرية وأقلية؟ قال لبنان، كل لبنان، بأكثرية واضحة انه يرفض سلاح "حزب الله". كانت الانتخابات بمثابة استفتاء شعبي علي سلاح "حزب الله. لو كان الشيعة في لبنان في مناطق خارج سيطرة "حزب الله"، لكانوا أول من ايد لوائح الرابع عشر من آذار ولكانوا في طليعة من يرفض السلاح. علينا دائما أن نتذكر الرفض الشيعي للسلاح الفلسطيني في مرحلة ما قبل العام 1982. وعلينا أن نتذكر في استمرار أن السلاح لم يكن سوي وسيلة لسلب لبنان قراره الحر المستقل وتحويله تابعا للنظام السوري. ما يفعله "حزب الله" حاليا هو تكريس لبنان رأس حربة للمحور الأيراني- السوري لا أكثر ولا أقل. لعل أخطر ما في الأمر أن "حزب الله" يلجأ إلي خطاب أقرب ما يكون إلي خطاب لحزب شيوعي عربي في السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي لتبرير احتفاظه بالسلاح. هل نسي مصير الأحزاب الشيوعية العربية وغياب أي معني لخطابها السياسي طوال ما يزيد علي سبعة عقود؟ السلاح غير الشرعي عدو لبنان وعدو كل ما هو حضاري فيه وفي المنطقة. السلاح غير الشرعي في خدمة إسرائيل. هذا كل ما في الأمر. كل ما عدا ذلك كلام باطل. كل ما في الأمر أيضا أن السلاح الحزبي والميليشيوي في لبنان في هذه المرحلة بالذات لا وظيفة له غير تأكيد أن لبنان "ساحة". لو لم يكن الأمر كذلك، لكان "حزب الله" تجرأ علي الإجابة ولو عن سؤال واحد: لماذا علي جنوب لبنان أن يكون الجبهة الوحيدة المفتوحة مع إسرائيل في ظل موازين القوي التي يعرف الطفل الصغير إلي أي طرف تميل كما يعرف ما يمكن أن تؤدي اليه أي مواجهة عسكرية، مهما كانت محدودة؟ من قال إن إسرائيل لا ترحب بمثل هذه المواقف التي تصدر عن "حزب الله"؟ أو ليست إسرائيل التي اعترضت في العام 1976 علي وصول "قوات الردع العربية" ذات الأكثرية السورية إلي خط وقف الهدنة بين لبنان وإسرائيل بحجة انها "في حاجة إلي مناوشات مع المسلحين الفلسطينيين بين وقت وآخر"؟ بعض الصدق مع النفس يبدو ضروريا بين الحين الآخر. هذا ما يبدو "حزب الله"، الذي يؤمن بولاية الفقيه وليس بالعقيدة الماركسية- اللينينية، في حاجة اليه اليوم قبل غد وقبل أي شيء آخر!