بالوقوف دقيقة حدادا، بدأ الملتقي التوثيقي لذكري الفنان الراحل أحمد فؤاد سليم، الذي أقيم الأحد الماضي، ببهو متحف الفن المصري الحديث بالأوبرا، وهو نفس المكان الذي تولي "سليم" إدارته حتي وفاته يوم الجمعة الثاني من أكتوبر 2009، بعد صراع طويل مع المرض، أعدت الملتقي وقدمت له الفنانة الشابة رشا رجب إحدي تلميذات الفنان الراحل، ومديرة قاعتي "أبعاد" و"الباب" بالمتحف، كما صدر بهذه المناسبة كتاب تذكاري عن الفنان الراحل. في البداية تحدث الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية قائلا: سليم كان يمثل حالة من الإفاقة الثقافية، وما كنا نراه من صدامات بينه وبين آخرين كانت صدامات إيجابية، وكان دائما يقول رأيه بصراحة، وكنت أري فيه شخصية الأستاذ بالرغم من أنني لم أدرس علي يده، وأذكر له أنه في أواخر أيامه، وعلي الرغم من آلام ظهره، كان يحرص علي إيصالي إلي باب المتحف، وهذا يدل علي مدي احترامه، فقد كان مؤمنا بأن الفن سلوك، لا يعرف مجاملة، والبعض كان يظن أننا كقطاع سحبنا منه رئاسة البينالي، وذلك أمر غير صحيح، فقد حضر المؤتمر، وقاعة "أبعاد" مخصصة لعرض الأعمال الفنية التي لم تحظ بالعرض لوجودها بالمخازن، وذلك فكر "سليم"، وتولية الفنانة رشا رجب قاعتي "الباب" و"أبعاد" امتدادا لمدرسة "سليم" بالمتحف. أما المخرج محمد كامل القليوبي فبدأ حديثه قائلا: في حالة ما كنت أحس بحاله خمول عقلي كان أول ما يتبادر إلي ذهني الذهاب إلي "سليم" لما يتمتع به من نشاط ودأب، وأذكر له أنه شجعني علي الكتابة، عندما طلب مني عام 1969، تقديم دراسات لمجلة (المفكر المعاصر)، وكان سليم يري أن جميع أنواع الفنون من سينما وموسيقي وتشكيل شيء واحد، وكنت دائما ما ألجأ إليه في استشارات فنية منها علي سبيل المثال لا الحصر موسيقي بعض أفلامي، وكان دائما يهتم بالتفاصيل الدقيقة ودائما ما يسعد لأشياء كنا نراها صغيرة جدا، وأذكر مثلا أن سليم اشترك في ترميم لوحة للفنان سعد الخادم، وكان ذلك مبعث سعادته لمشاركته في الحفاظ علي لوحه لفنان قدير، كان يدعو لعمل نقابة للتشكيليين، وكان دائما صاحب فكر ورؤية. أما الدكتور محمد أبو الغار فقال: عرفت "سليم" منذ السبعينيات في بيت الراحل جمال سليم والكاتب عبد المنعم سليم، كان متعدد المواهب، اكتشف أثناء تولية المركز الثقافي التشيكوسلوفاكي العديد من المواهب مثل الفنانين نور الشريف وماجدة الخطيب وكان أيضا قائد ومدير ناجحا لمجموعة من الفنانين والموظفين أثناء تولية رئاسة مجمع الفنون ثم المتحف الفن الحديث، وقام باكتشاف العديد من الفنانين وأقام لهم العديد من المعارض، وكنت دائما ما أزوره كل يوم اثنين في مجمع الفنون وأجلس معه ومع الراحلة فاطمة إسماعيل، نتحاور ونتحدث حتي أصبح يوما مقدسا بالنسبة لي. وقال الدكتور مصطفي الرزاز: كان "سليم" "بصمة لفتح السكك" فقد فتح الباب للكثير من الشباب، وكان صاحب الفكرة الرائدة لعمل تجمع أو نقابة للفنانين التشكيليين، وكان لديه قدرة عجيبة علي عمل الندوات والمؤتمرات، وكان من أكثر الأشخاص امتلاء بالطاقة الايجابية، وكان لديه طموح وطاقة للعمل بلا كلل يشعها لكل من يحيط به، وكان أيضا صاحب رؤية مستقبلية، وكنا نري أعمالنا في المعارض التي يقوم بتنسيقها بعد أن يضع لمساته وكأنها ليست أعمالنا، وهو إنسان فنان بدأ كبيرا كمدير للمركز الثقافي التشيكوسلوفاكي في شبابه انتقل بعدها إلي مجمع الفنون وأنشأ جيلا فنيا شديد الخصوصية ثم انتقل إلي تجربة متحف الفن الحديث وكان أن أعاد تأهيل المتحف بما يليق به عالميا وخرج به من كونه فترينة عرض. وقال الدكتور رمزي مصطفي: كان سليم ينقل تبعية أي شيء يتسلمه لأكثر من عشرين أو ثلاثين فردا، واذكر له أنه بعد عودتي من الخارج سمح لي بعرض أعمالي من فن (البوب آرت) في المركز التشيكي، وكان نتيجة ذلك أن طبعت أعمالي في الكتالوج الذي طبعته الحكومة الألمانية، ونذكر له أيضا أثناء توليه مجمع الفنون أنه لم يوقف أي طلب من أي فنان ممن أراد العرض هناك وكنت تلك الخطوة والطريق والفرصة للعديد من الشباب. وقال الدكتور صبحي الشاروني: بدأت علاقتي ب"سليم" بمرسمه بالجمعية الأهلية للفنون الجمعية في 50 شارع قصر النيل، يجاور مرسمه مراسم الفنانين صالح رضا ورمزي مصطفي، فكانت تمثل اجتماعا ثقافيا، وكانت أولي معارضه الفنية في غزة عام 1960، حينما كانت تتبع الدولة المصرية، وكانت بدايته الحكومية كموظف في هيئة الأبنية، وتتلمذ سليم علي يد سيف وانلي ثم التحق بمعهد ليوناردو دافنشي، ثم استقل بفنه حيث كان مهتما بالتشكيل مستخدما الخط العربي، وكان شديد الاهتمام بالفنون الرفيعة كالأوبرا والأوركسترا والعازفين وغيرهم وهو ما سجله في لوحاته المتعددة. الكاتبة نعم الباز بدأت حديثها قائلة: لم ألبس اليوم رداء أسود في تأبين "سليم" بعد أن تذكرت موقفا لي معه عندما ذهبنا في عزاء الراحل صلاح جاهين، عندها طلب مني "سليم" أن البس الألوان قائلا (إنه ليس عزاء شخص، بل عزاء وطن) وكذلك فعلت اليوم مع سليم، فهو وطن، وهو لم يمت كما قال جاهين "ما فيش فنان بيموت"، وأذكر أنه في عام 1971 عندما أقمت معرضا عالميا لرسوم الأطفال أن اختار سليم أن نعطي الجائزة الأولي في المعرض للوحه فتاة رسمتها بطريقة (برايل) لوجه مدرستها، وهذا يدل عن عمق المعني لديه. أما الفنان حلمي التوني فتحدث عن سليم قائلا: "سليم" عبارة عن مشروع ثقافي وفني متكامل، لم يكن يحب المساومة لهذا كان لديه الكثير من الصراعات مع أشخاص مختلفين، وأذكر في أحد مواقفه عندما كان مختلفا مع صديقه وصديقي الناقد صبحي الشاروني وذلك لفترة طويلة، عندما طلبت منه أن يجلسا معا للتصالح وافق مباشرة وكان أن حدد موعدا في اليوم التالي مباشرة، وفوجئنا عند دخولنا مكتبه انه قد أقام حفلة لهذه المناسبة.