ترجل الفارس عن عمر 73 عاما، بعد أن صارع المرض اللعين بمستشفى الانجلو المصرية. مات الفنان التشكيلى والناقد أحمد فؤاد سليم بعد أن ملأ الساحة الفنية ضجيجا وصخبا منذ ما يقرب من خمسين عاما، خاض سجالات فنية عديدة قسمت من حوله إلى مريدين يدورون فى فلك الحداثة ومعارضين يشكلون السياسات الفنية السائدة. ولم يكن هذا غريبا على من فى وضع أحمد فؤاد سليم الذى اقترن اسمه دائما بصناعة القرار فى الحركة الفنية التشكيلية، بل وبتأسيس العديد من التظاهرات والأحداث الفنية الدولية. فكان ضمن أول مجموعة تصدت لإقامة اتحاد الفنانين عام 1965 مع صالح رضا، وأول من أسس مجمع الفنون بالزمالك 1976 وباشر إدارته حتى عام 2005، وأول من نادى بإنشاء بينالى القاهرة الدولى، وبإقامة صالون الشباب الذى بدأ دورته الأولى فى 1986 وظهرت من خلاله العديد من الأسماء التى تلمع اليوم على الساحة الدولية، وأسهم منصبه كعضو فى منظمة الأيكا الدولية التى تضم اتحاد النقاد الدوليين فى دعم العديد من المواهب الفنية الشابة، كما أسس أول مهرجان مصرى لفن الفيلم السينمائى الروائى والفيلم الفنى القصير والفيلم الوثاثقى. يصفه صديقه الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية بأنه كان بمثابة «محرك ثقافى» ليس مجرد فنان عادى له إمكاناته فى مجال التصوير والنقد الفنى، بل باحث ومنظر يعرف كيف يحرك المياه الراكدة حيث نبغ فى تحليل الفن المصرى فى سياق تاريخ الفن العالمى وكان بارعا فى صناعة الأفكار الجديدة. يتأسى شعلان على فقدان صديقه الذى زامله أيضا فى اللجنة الدائمة لمتحف الفن الحديث التى كان سليم مقررا لها قائلا: «مات أحمد فؤاد سليم وترك لنا الملل»، حيث يرى شعلان أن الصدامات والسجالات التى كان سليم بطلها كانت أشبه بالدماء الساخنة التى تجرى فى شرايين الحركة التشكيلية. كما اعتبر شعلان أن أحمد فؤاد سليم لم يكن صانع نجوم فقط، لكنه أيضا كان صانعا للكوادر الإدارية التى ترأس حاليا المؤسسات الفنية. أما عن دوره فى اللجنة الدائمة لمتحف الفن الحديث التى رأسها لفترة طويلة، فقد كان على حد تعبير شعلان مصنعا للأفكار الجديدة. «كانت الفترة التى تشكلت فيها اللجنة أثناء غلق المتحف، فترة خصبة نجتمع فى جلسات ودية من أجل تفعيل المتحف ليصبح إشعالا ثقافيا بعد افتتاحه مجددا وتمخض عنها فكرة قاعة «أبعاد» التى كانت من أفكار سليم، ومهمة هذه القاعة الفنية هى إلقاء الضوء على أعمال فنية لم تحظ بالشهرة التى تستحقها أو إعادة اكتشاف فنان سقط فى طى النسيان. ومثلما كانت أبعاد هى الوليد الجديد لمتحف الفن الحديث، كانت الفنانة الشابة رشا رجب التى أسندت إليها مسئولية إدارة «أبعاد» هى التلميذة النجيبة للأستاذ الراحل «هو أستاذ بكل معنى الكلمة، كان الأستاذ سليم يتابع شغلى الفنى وينصحنى، لم يكن يطلب منى أن أحذى حذوه الفنى ولكن أن أعبر عن نفسى فكما كان يقول لى دائما لا يمكن أن يكون فنان ولا يعرف كيف يعبر عن نفسه. كان يردد دائما أن الثقافة هى تموين الفنان مثل السيارة التى لا يمكنها أن تسير بدون البنزين». نال سليم العديد من التكريمات والجوائز المصرية والدولية، أبرزها وسام الفنون بدرجة «فارس» فى الفنون والآداب من الحكومة الفرنسية، وميدالية الفن من ملكة الدانمارك، والجائزة الكبرى وأوسكار «تى» فى بينالى القاهرة الدولى الثالث1988. ويأتى السؤال الذى يلح فى كل مرة تتساقط فيها فروع شجرة الثقافة، ماذا قدمت الوزارة لمن خدم مؤسساتها على مدى خمسين عاما؟ يستنكر محسن شعلان تهمة الجحود والنكران لمن كان صديق ورفيق دربه ويؤكد أن قطاع الفنون التشكيلية قدم مساهماته، كما طلب الوزير فور سماعه بمرض الفنان من زوجته الفنانة مارسيل أن يقتنى صندوق التنمية الثقافية بعض أعماله الفنية. «أما العلاج على نفقة الدولة فهذا يتطلب قرارا من مجلس الوزراء وليس فى يد وزارة الثقافة» كما قال محسن شعلان معللا أنه فى مثل تلك الحالات الصحية الحرجة قد تفضل الأسرة أحيانا إكرام المريض وعدم تعريضه للبعد عن الوطن.