لماذا تكرهنا الجزائر؟. وهل أحبتنا يوما؟ ولماذا يسكت الأشقاء العرب وكأن سكوتهم شماتة في مصر. هل الوحدة العربية ممكنة؟ هل القومية العربية حقيقة؟ هل الجزائر بلد عربي شقيق؟. المثل يقول (هو السؤال حرم؟) نعم في بلادنا السؤال حرام منذ عقود طويلة. لكن ما حدث في مباراتنا مع الجزائر فتح أذهان الناس حتي البسطاء منهم علي هذه الأسئلة المحرمة فالويل لمن فكر أن يثيرها في العصر الناصري حيث لا صوت يعلو علي صوت المعركة التي لم تحدث، ولا صوت الوحدة العربية التي لم تحدث أيضا. أخيرا راح البعض يسأل مثل هذه الأسئلة في انفعال ثم يرد علي نفسه وكأنه يستغفر الله قائلا إن هذا لا يعني أنه " كافر" بالعروبة!. كأن الدين هو العروبة، والقومية العربية هي نفسها الخلافة الإسلامية إلا قليلا. الاجتهاد في الدين جائز وفيه مذاهب أما القومية العربية فلا يجوز فيها أي اجتهاد وهويتنا كعرب لا مصريين قضية منتهية ومجرد السؤال حولها كفر صريح وعمالة للغرب والصهيونية. درسنا أن قوميتنا تقوم علي اشتراكنا كعرب في الدين والتاريخ والجغرافيا واللغة والمصالح، وأغفلت الجهل والتخلف المشترك!. كنا مصر. أسسنا حضارة وادي النيل لآلاف السنين فطلعنا في آخر الفيلم من بدو الصحراء. شطب عبد الناصر اسم مصر وصرنا القطر الجنوبي من جمهورية عربية متحدة... مع نفسها!. ليه يا سيدي؟ لأننا مسلمون مثل العرب! والمسلمون يجب أن ينتموا للقومية العربية طيب واللي مش مسلم؟ قالك لا برضه يبقي عربي. طيب والمسلم الأفغاني والباكستاني والهندي عرب؟.بالقطع الدين ليس جنسية وليس قومية. الوحدة الأوربية لم تعتمد علي الدين. ليس لأن بها عدة أديان. ففي المنطقة المسماة بالعربية عدة أديان أيضا وهم بالملايين. من حقنا أن نسأل لماذا فشلت كل محاولات الوحدة بيننا ونجحت عند الدول الأوربية؟ التبرير القديم هو مؤامرات الاستعمار الذي أوقع بين الأشقاء. ولا يعني هذا إلا أننا حفنة من البلهاء أو أن قادتنا من الخونة العملاء. ولم تؤسس الوحدة الأوروبية علي تاريخهم المشترك. حقا تاريخهم سلسلة من الحروب ضد بعضهم.لكن تاريخنا المشترك حافل أيضا بحروب شرسة ضد بعضنا تمتد لقرون طيلة عهود الإمبراطورية العربية أو الإسلامية وحتي الآن. والمعارك ليس فقط بين دولها بل داخل كل دولة كالحروب في السودان واليمن ولبنان. تاريخنا المشترك أدي إلي الوحدة أحيانا لأنها كانت تعني - ولا تزال - أن تغزو دولة بقية الدول المجاورة عربية أو أعجمية أو فارسية وتضمها لها. وفي العصر الناصري علا اسم صلاح الدين الكردي الذي حرر القدس واستعبد المصريين وأذلهم هم وغيرهم. ومازلنا ننتظر عودته كأنه المهدي المنتظر. فتاريخنا كتبه حزب البعث واقتبسه عبد الناصر وفرض تدريسه علي تلاميذنا وحتي اليوم. والجغرافيا المشتركة التي جعلت الحدود وهمية كانت من أسباب الحروب بيننا لسهولة فتح كل بلد للآخر! ولذلك فالعلاقات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية وصولا إلي الرياضية بين هذه الأقطار ظلت دائما علي أسوأ ما يكون. وإذا كانت الوحدة العربية تبني علي المصالح المشتركة فالمصالح كما تتفق تختلف باختلاف طبيعة البلدان بغض النظر عن الدين والجغرافيا واللغة والتاريخ. وتختلف من زمن لآخر. فالسياسة لا تعرف عدوا دائما ولا صديقا دائما. تحالفت أمريكا مع بن لادن ثم تعاركا.وكانت روسيا الشيوعية بعبع العرب فصارت حليفة مصر وسوريا والعراق في فترة. وبدلا أن تقربنا المصالح عملت فكرة القومية العربية علي بذر الشقاق فكل بلد يتنافس علي قيادة هذه القومية. بينما أقطار أوربا تتبادل كرسي رئاسة الوحدة بلا مشاكل. فلم تتوحد بلدانها لأنهم أشقاء في اللغة والدين والتاريخ أو حتي المصالح علي إطلاقها. بل بالوحدة مع احتفاظ كل بلد بلغته وهويته وثقافته والاعتراف بأن بعض المصالح لا تكون مشتركة.وليس باستخدام الأناشيد القومية التي تلغي الوطن لصالح أمة أوربية مثلما نفعل.( وطني حبيبي الوطن الأكبر.. يوم ورا يوم أمجاده بتكتر وانتصاراته مالية حياته.. وطني.. وطني). اللغة المشتركة ليست أساسا للوحدة الأوروبية ألم توحد لغات بلدانها الكثيرة.ثم هل تتكلم الدول المسماة بالعربية اللغة العربية فعلا؟.الجزائر تتحدث الامازيغية والفرنسية وبعض العربية المكسرة. وبلاد المنطقة تفهم بعضها بصعوبة باستثناء الطريقة المصرية للتحدث بالعربية بحكم تأثيرها الثقافي. والخلافة العثمانية التي حكمت المسلمين والعرب قرونا كانت تتحدث التركية.وفي مصر نقرأ ونكتب بالعربية ولكننا نتحدث بها كلغة أجنبية! ونشبه في هذا الجزائر التي تتحدث الفرنسية بسبب احتلال فرنسا لها ونحن بسبب احتلال العرب لنا. فالطالب لا يفهم قواعدها ويفهم كلماتها عن طريق شرح الكلمة بكلمة أخري.الأم المصرية تعلم ابنها المشي بكلمة تاتا وليس بكلمة سر يا ولدي.ولا ننطقها بشكل سليم إلا أقلية ولم يكن منهم زعيم القومية العربية! ونتعلم الإنجليزية بشكل أسهل وأسرع. السؤال الأساسي هل مصر تتكون من العرب؟ كيف وقد ظهرنا في التاريخ قبلهم؟ هل عندما تركت بعض قبائلهم الصحراء واستقرت عندنا قضت علي جنس المصريين فلم يبق فيها إلا العرب؟. المسلمون في أنحاء العالم لا يقولون أنهم عرب. بل أفغان وباكستانيون واندونيسيون. فلماذا بعنا نحن مصريتنا؟. كان الملك فاروق يطمع أن يكون خليفة للمسلمين. أما البكباشي جمال فلم يكن ملكا فاستبدل الخلافة الإسلامية بخلافة عربية ليبني إمبراطورية تضم البلاد الضعيفة المجاورة ولم تكن أغلبها قد استقلت بعد. وهو ما يفسر لماذا يكرهنا جيراننا من العرب ومن غيرهم رغم النفاق المتبادل بيننا. وكانت نتيجة مشروعه الاستعماري الوهمي الحروب وتدهورنا الحضاري، وهو ما يفسر شهوتهم في التفوق علينا وأن نقلدهم كما كانوا يقلدوننا. وإذا كان بعضهم يحبنا أو يقدرنا فنحن لهم مثل أمريكا يلعنونها لكنهم عند أول فرصة يهاجرون إليها. سوف تتقدم مصر عندما تتوقف عن جر قطار العروبة المحترق خلفها وتلتفت لنفسها لتصبح القدوة والمثل.. وليلحق بها من يشاء.