أثار تصريح صائب عريقات "14 الجاري" أن السلطة الفلسطينية ستلجأ قريبا لمجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يفسح المجال للاعتراف بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدسالشرقية، ومن بعده تصريح محمود عباس في القاهرة "16 الجاري" بأن القرار عربي في الاساس، عاصفة من الانفعالات المنددة بهذه الخطوة داخل إسرائيل. ولم يكتف كبار مسئوليها المتشددين برفض هذه الخطوة الأحادية وشجب وإدانة هذه النية التي لم تخرج لحيز التنفيذ بعد، بل جرت علي ألسنتهم تهديدات دارت كلها حول إعادة استعمار جزء من الضفة الغربية. صرح سيلفان شالوم نائب رئيس الوزراء بأن مثل هذه الوسيلة لن تؤدي إلي سلام وكرر أن قيام الدولة الفلسطينية يشترط التفاوض مباشرة مع حكومة إسرائيل أولا، أما عوزي لاندو وزير البنية التحتية فوصف الخطوة بأنها عدائية و"سيضطر الجيش الإسرائيلي إلي توسيع سيطرته علي المنطقة "ج" التي تقع تحت سيطرة السلطة الوطنية لضمان أمن إسرائيل! وفي حين اكتفي نتانياهو بالقول في نفس اليوم إن ضمان قيام الدولة الفلسطينية لن يتم إلا "بإجراء مباحثات سلام مع إسرائيل"، زعم وزير الشتات في حكومته يولي ادلشتاين أن إعلان قيام دولة للفلسطينيين بهذه الكيفية يبرهن علي أن "التشدد والارهاب لايزالان يسودان بين العديد من قادة السلطة وهذا لا يدعو للاطمئنان من جانبنا "ولذلك حرض المجتمع الدولي علي الوقوف ضد هذه الخطوة عن طريق ممارسة جميع الضغوط التي من شأنها أن تعيد الطرف الفلسطيني إلي مائدة المفاوضات". أما أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية فلخص رد الفعل المرتقب قائلا: أي تحرك من هذا النوع سيقابله تحرك إسرائيلي أحادي أيضا ولكن من نوع مختلف.. مثل هذه التصرفات العنصرية التي تعكس سياسات الاحتلال، كانت متوقعة.. فالاستقلال كما تراه يفتح الباب لإعادة احتلال مساحات الأرض المحدودة التي تديرها السلطة الوطنية تحت سطوة إسرائيل وتهديداتها.. واللجوء إلي مجلس الأمن لوضع حد للمساومات والتسويفات التي يرجع تاريخها إلي اتفاق أوسلو وما يؤدي إليه من قيام الدولة يمثل تهديداً لأمن إسرائيل واستقرار مجتمعها!! والبديل في رأيهم أن يتم ذلك عن طريق التفاوض المباشر مع حكومة نتانياهو، بينما هي مستمرة في البناء فوق الاراضي الفلسطينية التي توالي استقطاعها من ممتلكات الشعب الذي تحتله منذ عام 1967 .. البديل أن يرضي الفلسطينيون بالتسويف والمماطلة إلي أن ترضي عنهم وتلقي لهم ببقايا عظام أرضهم غير القابلة للنمو وللتطور. البديل في رأيهم أن يظل الشعب الفلسطيني وقياداته المعتدلة في دائرة التشدد والارهاب، وبذلك يحرم إلي أجل غير مسمي من تحقق قيام دولته المستقلة، لأن إقدامه علي خطوة الاستقلال بقرار من مجلس الأمن يمثل خروجا عن شرعية الاحتلال العنصري ويمهد الطريق لأن تعيش دولة إسرائيل في جوار يمثل تهديداً لها لا تملك حياله إلا الإذعان لمطالب مستقبل مظلم. لكن أن يكون للولايات المتحدة وفرنسا رأي معضد لمواقف إسرائيل الاحتلالية، فهذا لم يكن متوقعا حتي من أكثر المحللين الأوروبيين تأييدا لسياسات بنيامين نتانياهو!! قالت صحيفة الإندبندنت اللندنية "16 نوفمبر" أن يثير المقترح قلق إسرائيل، فلا خلاف علي ذلك.. لكن غير المتوقع أن يصمت كبار مسئولي واشنطن حتي عن التلويح باستغلال الفكرة لممارسة مزيد من الضغط ضد إسرائيل لوقف الاستيطان والعودة بلا شروط مسبقة لطاولة المفاوضات.. وفي اليوم التالي قال تحليل بقلم الكاتب دومينيك ماكنتاير في نفس الصحيفة إن ما طرحه الفلسطينيون يشكل تحديا لأوباما وللأمم المتحدة ويشكل معضلة دبلوماسية، عليهم أن يتصرفوا بعقلانية حيالها. هذا بينما توقعت صحيفة التايمز في نفس اليوم أن "تعمل الإدارة الأمريكية علي إحباط طموحات الفلسطينيين وتقويض أساساتها". أما باريس فكان موقفها أكثر تشدداً فلم تكتف وزارة الخارجية بالاعراب عن معارضتها للمساعي الفلسطينية، بل أعلنت أن وزيرها برنار كوشنير لن يقابل محمود عباس في رام الله ضمن زيارته لإسرائيل كما كان مقرراً من قبل حيث تقرر نقل مكان اللقاء إلي العاصمة الأردنية. الموقف الفرنسي كما يتنبأ المراقبون سيعوق بنسبة كبيرة الآمال الي عقدتها السلطة الفلسطينية علي الموقف الأوروبي في ضوء تأكد صائب عريقات أن رام الله قطعت شوطاً كبيراً في مساعي "الترتيب مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وباقي دول العالم لاستصدار قرار من مجلس الأمن في الوقت المناسب" حيث سيقلل إلي حد كبير فرص بناء قوة أوروبية مؤيدة لمثل هذه الخطوة لأن باريس قادرة بحكم علاقاتها علي جذب عدد كبير من دول الاتحاد الاوروبي إلي صفها. لذلك لم تستغرب افتتاحية عدد من الصحف الأوروبية موقف الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي التي أكدت علي لسان وزير خارجيتها "17 الجاري" أن مازال مبكراً الاعتراف بدولة فلسطينية حتي لو كان ذلك عن طريق مجلس الأمن. "نية" اللجوء إلي مجلس الأمن لاستصدار قرار يحقق للشعب الفلسطيني الإعلان عن قيام دولته من جانب واحد طرحت بسبب تجميد حكومة نتانياهو لمسار المفاوضات مع السلطة الوطنية واصراره علي عدم وجود شريك يتحمل تباعات السلام.. وإنكاره لما جاء في المبادرة العربية.. وبسبب رفضه التام لتجميد البناء فوق أراضي فلسطينالمحتلة.. وبسبب استجابة واشنطن لإدعاءاته.. وبسبب حصر دور الراعي فقط في واشنطن.. وبسبب مواصلة تل أبيب القضاء علي أي محاولات لإزالة العقبات من الطريق علي يد روسيا أو الاتحاد الأوروبي. وبالرغم من صلاحية هذه المبررات التي تعكس طموحات الشعب الفلسطيني وتتفق مع الشرعية الدولية التي أصدرت قراراً بقيام دولة إسرائيل في نوفمبر 1947 اتخذه بن جوريون أساسا قانونيا لإعلان ميلادها في مايو 1948 إلا أن الإدارة الأمريكية التي تعهد رئيسها بالعمل علي قيام دولة فلسطينية تعيش في سلام وأمن إلي جانب إسرائيل ترفضها وتتهم المنادين بها بأنهم يتجاوزون إسرائيل ويعملون علي تهميشها!!