قبل ثلاث سنوات من الآن فاجأت مجلة تايم الأمريكية الشهيرة جمهورها باختيارها لأنت YOUكشخصية عام 2006، علي أساس أن كل شيء في العالم يتجه نحو ما يسمي بالتشخيصية personalization، أي إعطاءها البعد الشخصي الخاص بالمستخدم، حيث سمحت التكنولوجيا للشركات أن تمنح الناس القدرة علي عمل خيارات كثيرة تعكس أذواقهم ورغباتهم واحتياجاتهم في كل شيء يعملونه بما في ذلك استهلاك المادة الإعلامية واستخدام الإنترنت والمحمول، وحتي السياسيين وصناع القرار صاروا يفمهون أكثر قيمة الفرد ويتجهون إليه بذكاء أعلي لإقناعه بقراراتهم السياسية والاقتصادية. ومنذ عام 2007 فقد حدث بعض التغيرات السريعة الذي أكد أن ما يسمي الإعلام الاجتماعي Media Social والمتمركز حول الفرد من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية يتمدد بسرعة ليأخذ مساحة واسعة في حياتنا اليوم، ومن أشهر مواقع الإعلام الاجتماعي موقع Facebook وموقع My Space وموقع You Tube وغيرها من مئات المواقع التي تستخدم الأفكار نفسها في اتجاهات متخصصة، فهناك مواقع خاصة بالربط بين الباحثين عن أعمال وأصحاب الأعمال، ومواقع للتواصل بين الأصدقاء حول الكتب، وغيرها من المواقع التي تحدثت عنها في مقالات سابقة. ليس هذا فحسب، ففي هذا العام انتقلت الشبكات الاجتماعية إلي جهاز الموبايل وبدأت تنمو بسرعة خرافية، بحيث سيتحول الموبايل خلال العام المقبل (ولا شك) إلي جهاز يربطك بكل مجموعات الأصدقاء من خلال هذه الشبكات، لكن الخطير في هذه التحولات لهذا العام ليس نمو مواقع الإنترنت بل كونها بدأت تغير جذرياً في مفهوم الإعلام الكلاسيكي نفسه، فبينما كانت ومازالت الرسالة الإعلامية متوجهة من مرسل مؤسساتي إلي الجمهور صارت تتوجه من الجمهور إلي الجمهور، في اتجاه يهدد أصل الصناعة الإعلامية بالخطر. ومنذ عام 2007 فقد تحول كثير منا وبشكل تلقائي إلي مراسلين جماهيريين، وهناك من فعل ذلك في أعوام سابقة، وبقيت مجموعات بسيطة ستتحول خلال الأعوام المقبلة، ولا أستغرب إذا صار الناس يحصلون علي معلوماتهم من بعضهم بدلا من وسائل الإعلام بمجرد أن تجد مواقع الشبكات الاجتماعية والمنتديات وسيلة لتوثيق مصداقية هذه المعلومات المتبادلة بين الجمهور، للتوضيح أكثر، إذا استطاع موقع مثل You Tube إيجاد وسيلة تكنولوجية تلقائية توثق المعلومات المطروحة في الفيديوهات المنشورة عليه فإنه سيتحول مباشرة لدي قطاع لا بأس به من الجمهور إلي مصدر إعلامي أساسي بدلا من وسائل الإعلام الكلاسيكية، وهذا أمر ليس بالصعب علي الإطلاق إذا وجدت الجهود الملائمة له. إن نمو الإعلام الاجتماعي سمح بالعودة الهائلة لمصطلح صحافة المواطن وهو مصطلح نما خلال العقد الماضي للدلالة علي محاولة جعل صوت الشخص العادي جزءاً من معطيات الوسيلة الإعلامية، والآن صارت صحافة المواطن جاهزة للسيطرة علي الساحة، وربما كان علي وسائل الإعلام وعلي المعلنين قريباً جداً أن يبحثوا عن المواطن الذي يسمح لهم بالوصول من خلاله إلي الشبكات الاجتماعية التي يشترك فيها. وبنهاية عام 2007 فقد انضم نحو 100 مليون شخص إلي شبكات الإنترنت الاجتماعية، ولو نظرنا إلي الرقم لأدركنا أن هناك هجرة جماعية إلي مواقع تركز علي العلاقات الشخصية والاهتمامات المتخصصة جداً وتخلق مجتمعاً إلكترونياً لم يكن يخطر ببالنا قبل عامين من الآن. وفي عام 2010 سيتغير العالم أكثر، وسيكون للإنترنت والموبايل شأن أكبر، وستأتي التكنولوجيا لتحكم العالم وتحدد مسار حياتنا المستقبلية، وستصبح الرسالة الفردية قابلة للانتشار والتأثير بشكل أوسع بكثير. وما يقلقني في كل هذه التغيرات أن الإنسان الذي يفترض أن تخدمه التكنولوجيا صار تابعاًَ لها، وصار كل تغيير تكنولوجي يغير العالم بينما الإنسان يحاول اللحاق بالركب، وما يقلقني أكثر أن هذه التغيرات صارت تصل إلي العالم العربي بشكل يجعله مستهلكاً لمعطيات القرية العالمية الصغيرة بعيداً عن قضاياه وهمومه الأساس. ومن ناحية أخري، هذه التغيرات تحمل في ثناياها الكثير من الأمل، ولو أردت أن تعرف الأمل في ماذا فاقرأ السطور أعلاه مرة أخري، أنت سيد العالم الجديد!